[٩٠ - باب: النسخ بالإقرار [من الرسول صلى الله عليه وسلم]]
وصورة المسألة أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فعلاً بخلاف أصل من الأصول، بمشهد الرسول عليه السلام، ولم ينكر النبي عليه السلام - فهل يكون ترك الإنكار عليه نسخاً لذلك الحكم، بالأصل المعلوم أم لا؟ .
قال قوم: لا يكون نسخاً.
وقال آخرون: يكون نسخاً.
ونحن نقول: إن كان ترك الإنكار على وجه التقرير والتصويب، بأن عرى عن الموانع، نحو اشتغاله بما هو أوجب من الإنكار عليه وأهم منه، أو أن يخاف على الفاعل الوقوع في حرام آخر هو أقوى منه، بأن كان الحال حالة الغضب فيما يريد النبي عليه السلام إنكاره ولا يمتنع بمنعه، وغير ذلك من الموانع - يكون نسخاً للحرمة الثابتة قبله.
والدلالة عليه - أنا إذا عرفنا كون الفعل حراماً، ثم رأينا أحداً يفعل ذلك بمشهد النبي عليه السلام -[ف] لا يخلو: إما إن كان الفعل مباحاً في حقه، أو حراماً. فإن كان مباحاً، فقد وقع الانتساخ. ولو كان حراماً لأنكر النبي عليه السلام ذلك، لأن الإنكار واجب عليه، لكون مبعوثاً لبيان الحلال والحرام، ولكونه آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، ولا يظن به صلوات الله عليه أنه يترك الواجب - فدل ترك إنكاره، على انتساخ الحرمة، من هذا الوجه. وهذا لأن الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى بوحيه، إلا أن بيانه يفوض إليه صلى الله عليه وسلم: تارة يبينه بتلاوة القرآن، والأخرى بسنته قولاً، ومرة بسنته فعلاً، فلا يمتنع أن يبين ذلك بترك الإنكار والتقرير، ووجه البيان فيه ما مر.