اطراد المجاز أن يقر في نوعه ولا يتعداه، ولهذا لا يسمي كل طويل ((نخلة))، ولا كذلك الحقيقة: فإن أهل اللغة متى سموا الرجل الذي حصل فيه السواد
أسود، بطريق الحقيقة يجب اطراده، حتى يسمي كل الأجسام التي حصل فيها السواد ((سودا)).
ومما يفصل به بين الحقيقة والمجاز أنه إذا كان يسبق إلى فهم السامع عند سماع اللفظ معني من المعاني دون القرينة، كان حقيقة فيه. وإذا كان لا يسبق إلى فهمه عند سماع اللفظ معنى إلا بقرينة كان مجازة فيه. وإنما كان كذلك، لأن السامع لولا أنه اضطر في أن الواضعين وضعوا الاسم بذلك المعنى، لكان لا يسبق إلى فهمه ذلك المعنى دون غيره، ومن حكم الحقيقة أن يحمل اللفظ على حقيقته ولا يعدل إلى المجاز إلا بقرينة صارفة، لأن الواضع إنما وضع الاسم لمعنى يتوسل به إلى غرضه بالإبانة عن ذلك، فلو لم يحمل عليه بغير قرينة بطل كونه دلالة على الغرض [و] وسيلة إلى المراد بنفسه، وفيه نقض / الغرض بالمواضعة - والله أعلم.
١١ - باب - بيان طريق المجاز ووجوهه:
نعنى بطريق المجاز الأمر المصحح للمجاز والمحسن للتكلم به. وذلك هو الاختصاص بين المستعار له والمستعار عنه، أعني اختصاصا لأجله يُعرف المستعار له من المستعار منه، ودلالة ذلك من وجهين:
أحدهما - أن الفصاحة والبلاغة غرض مطلوب في المجاز، فإنا وجدنا أهل اللغة استعملوا المجاز في أشعارهم وخطبهم ومحاوراتهم لتحقيق معنى البلاغة والفصاحة، ومعنى البلاغة والفصاحة يحصل بتعريف الشيء باسم غيره.