وقد يحتاج إلى ذلك للمبالغة في الوصف، أو للاختصار في الكلام، أو للتحاشي عن التصريح بذكر المستعار له، لما فيه من كراهة الطبع، كما ذكرنا من قبل، وكان تعريف الشيء بذكر غيره بطريق المجاز من وجوه الفصاحة، إلا أنه كل شيء يذكر، لا يعرف به غيره، إذا لم يكن بينهما ضرب اتصال ونوع اختصاص معرِّف. ولهذا لا يحسن إطلاق اسم السماء على الأرض واسم الأرض على السماء. فإذا كان بين الشيئين هذا النوع من الاتصال والاختصاص حَسُنَ استعمال اسم احدهما في الآخر مجازًا، فثبت أن الاختصاص المعرِّف طريقُ المجاز، إلا أن لذلك وجوهًا: منها- المشابهة في المعنى الخاص، كما في الأسد مع الشجاع، والحمار مع البليد. ومنها- المجاورة كما في قولنا: جرى النهر، وسال الميزاب. ومنها- السببية، والمسببية، وغير ذلك.
والوجه الثاني- أن للمجاز وجوهًا كثيرة مختلفة الصور اتفقت في الاشتمال على ما ذكرنا من الاتصال والاختصاص، وذلك يدل على أن المصحح للمجاز في الكل هذا. بيان ذلك -أن المجاز قد يكون للمشابهة بين الشيئين. وقد يكون للمجاورة بينهما كما ذكرنا. وقد يكون لأجل السببية والمسببية، فإن اسم السبب قد يُستعار للمسبّب، كما في قوله تعالى:{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرارًا} أي المطر. ويقال: سقط السماء أي المطر. وقد يستعمل اسم المسبب للسبب كقوله تعالى:{إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}. وقال تعالى:{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً ولْيَبْكُوا كَثِيرًا}: المراد به قلة السرور وكثرة الحزن، لأنهما مسببان