وأما إذا قال:"كانوا يفعلون كذا" يفيد أنه: جميع الأمة فعلت ذلك- أو: فعل البعض وسكت الباقون- أو: فعلوا بأجمعهم فعلاً على وجه ظهر للنبي عليه السلام ولم ينكر عليهم- نحو قول عائشة رضي الله عنها:"كانوا [لا] يقطعون الأيدي في الشيء التافه".
وأما إذا قال قولاً بنفسه: فإن كان في محل الاجتهاد، فلا يلزمنا تقليده، لأنه محتمل أنه قال عن اجتهاد، واجتهاده لا يترجح على اجتهاد غيره، لما نذكره في أبواب القياس. وإن كان فيما لا مجال للاجتهاد فيه، فحسن الظن يقتضي أنه ما قال ذلك إلا عن طريق، وإذا بطل الاجتهاد تعين السماع من النبي صلي الله عليه وسلم.
١١٦ - باب في: الراوي إذا روى حديثاً لخلاف مذهبه- هل يترك روايته أم لا؟
اعلم أن الراوي إذا روى حديثاً وعمل بخلافه- فهذا على وجهين:
أحدهما- أن لا يكون الخبر الذي رواه محتملاً للتأويل.
والثاني- أن يكون محتملاً للتأويل والتخصيص، بما هو مذهبه.
نظير الأول- حديث أبي هريرة رضي الله عنه في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، ومذهبه الاقتصار على الثلاث.
ونظير الثاني- حديث ابن عمر رضي الله عنه:"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا"، ومذهبه الحمل على تفرق الأبدان.