والصحيح هو المذهب المختار. وهو أن يطلب الترجيح بالاجتهاد، على ما ذكرنا: أن الخبر مع القياس تساويا في أن العمل بكل واحد منهما استند إلى دليل معلوم، وهو ما دل على وجوب العمل بالقياس وخبر الواحد يشترط غلبة الظن بوجود وجه القياس وصحة الخبر.
فإن قيل: العمل بالقياس يفتقر إلى الاجتهاد في أمارة القياس- قلنا: والعمل بخبر الواحد يفتقر إلى الاجتهاد في عدالة الراوي والثقة به، فإذا تساويا يجب المصير إلى الترجيح- والله أعلم.
١١٤ - باب في: فائدة الخبر إذا كان البلوى به عاماً- هل يقبل فيه خبر الواحد أم يرد؟
ذهب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يقبل خبر الواحد فيما يعم به البلوى- وإليه ذهب الشيخ أبو الحسن الكرخى رحمه الله.
وجماعة من المتكلمين ذهبوا إلى قبوله- وقيل: هو قول الشافعي.
دليلنا في ذلك- أن عدم اشتهار الحديث فيما يعم به البلوى يدل على عدم ثبوته من النبي عليه السلام، فلا يعمل به. كما إذا اختل بعض شروطه من إسلام الراوي وعدالته وغير ذلك. وإنما قلنا ذلك لأن ما يعم به البلوى لا بد أن يبينه النبي عليه السلام بياناً شائعاً، إذ هو المتعين لذلك، وواجب عليه بيان شريعة الإسلام، فلا يظن به ترك الواجب. وبيانه بطريق الشيوع بطريقين: أحدهما أن يبين النبي عليه السلام بملأ من الناس حين سمموه جميعاً، [والثاني] أن يسأله كل من يحتاج إليه فيبينه له، حتى عم الكل بالبيان. وإذا كانت كذلك يشتهر، فلا يبقى في حيز الآحاد.
فإن قيل: لم لا يجوز أن النبي عليه السلام بين ذلك بياناً ظاهراً، إلا أنهم لم ينقلوه نقلاً مستفيضاً، فلم يشتهر؟ - قلنا: لا نظن بالصحابة رضي الله عنهم