للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنهم تغافلوا عن نقل ذلك، وقد تعلق به حكم الشرع، مع ما قد عرفنا من جدهم في أمر الشريعة وحرصهم على بسطها. ولو كان ذلك جائزاً فما يؤمننا أن من سور القرآن ما تغافلوا عن نقله ومن أصول الدين ما هذا حاله؟ ولما لم يجز ذلك، صح ما قلناه.

فإن قيل: إنما يقدمون على نقله إذا وجب عليهم ذلك، وإنما يجب عليهم ذلك إذا وجب العمل بالحديث، ووجوب العمل بالحديث موقوف عل بلوغ الحديث. فمن لم يبلغه الحديث الواحد لا يجب العمل به، فلا تتوفر الدواعي إلى نقله، فلا يشتهر- قلنا: كما أن وجوب العمل بالحديث داع إلى نقله، فبسط الشريعة ونشر الأحكام داع إليه، على أن البلوى إذا كان عاماً فكل أحد يحتاج إلى معرفة حكم [هـ]، حتى لو وقعت الحادثة يمكنه الخروج عن عهدتها، فينبعث كل واحد إلى نقله، حتى يتمكن من احتاج إليه من معرفة حكمه. وبهذا الطريق تواتر نقل أصول الشريعة، كالصوم والصلاة والحج والزكاة. فمتى لم يشتهر النقل عند توفر الدواعي، علم أنه غير ثابت.

فإن قيل: ما قولكم في الأخبار الواردة فيما يخص به البلوى: أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يبين بياناً ظاهراً مع تعينه لذلك، أو بين ولم ينقله السامعون، فكل ما تذكرونه في ذلك فنحن نذكره في المختلف- قلنا: لكل ذلك وجه، إذ لا يمتنع أن يكون النبي عليه السلام بين لمن علم اختصاصه بالحاجة إليه، ولا يكون ذلك كتماناً وتقصيراً في البيان، ولا يمتنع أيضاً أن النبي عليه السلام بين بياناً شائعاً إلا أنهم اقتصروا على نقله بسبب الحاجة: فأما ما يعم به البلوى فمحال أن يتقاعدوا عن نقله لتوفر الدواعي إليه- على ما مر.

<<  <   >  >>