١٧ - باب في: أن الأمر بالفعل، هل يدل على الإجزاء؟ :
ذهب الفقهاء وجماعة من المتكلمين [إلى] أنه يدلُ على الإجزاء.
وذهب بعض المتكلمين إلى أنه لا يدل على الإجزاء.
واستدلوا على صة مذهبهم وقالوا: إن المعنى من الإجراء شيئان: أحدهما- أن معنى قولنا:"هذا الفعل مجزئ" أن لا يجب قضاؤه. ومعنى قولنا:"إنه غير مجزئ" أنه يجب قضاؤه. والثاني- معنى افجزاء انتفاء التكرار. ومعنى كونه غير مجزئ أنه يقتضي التكرار. والأمر لا يدل على الإجزاء بالمعنيين جميعًا، لا بذاته ولا بحكمه: أما بذاته، فإنه لا ينبئ عنه. وأما بحكمه، فلأن حكمه وجوب الفعل، ووجوب الفعل لا ينفي وجوب مثله- دلَّ عليه: أن الماضي في الحَجة الفاسدة مأمور بالمضي فيها، ثم إذا فعل يلزمه القضاء. وكذا الظانُّ على الطهارة في آخر الوقت مأمور بالصلاة مع هذا الظن، ثم لو فعل ذلك وذكر بعده أنه كان محدثًا، يلزمه القضاء. ولو ذكر في الوقت يلزمه مثلما فعل.
ونحن نستدل على صحة ما ذهبنا إليه، فنقول: معنى قولنا: "هذا الفعل مجزئ" أي مسقط للتعبد به، وهو مختص بحالة يكتفي به في استيفاء المصلحة المطلوبة بالأمر. ومعنى قولنا:"غير مجزئ" أنه غير مسقط التعبد به وغير مختص بحالة يكتفي به في استيفاء المصلحة، إذ لا فرق بين قولنا:"هذا الشيء يجزئني" وبين قولنا: "يكفيني". ثم معنى قولنا:"هذا الشيء يكفيني" هو الاكتفاء به في غرض من الأغراض، فكذا قولنا:"يجزئني" أي يكفيني في أمر من الأمور.