ونحن نقول: هذه العلوم تشبه سائر العلوم الضرورية في أنه لا يحتاج كل أحد فيه إلى كثير تأمل واستئناف نظر، ولو شكك فيه نفسه لا يتشكك، ولا يمكنه دفعه عن نفسه، [و] لو سماه البعض بأنه ((ضروري)) فله ذلك. ويشبه العلوم الاستدلالية في أنا لو أزلنا عن أنفسنا هذه المقدمات، وهي أن لا داعي إلى المخبرين إلى الكذب لكثرتهم، ولا لبس في المخبر عنه، وغير ذلك، لا يحصل لنا العلم بالخبر، وكان حصوله بسبب ودليل. ولو سماه البعض بأنه ((استدلالي)) فله ذلك - فهذا اختلاف في العبارات، ولا مشاحة في العبارات - والله اعلم.
[٩٧ - باب في: ما الحق بالمتواتر من الأخبار]
١ - منها:
إذا أخبر الواحد بحضرة جماعة لا يعتمد مثلها الكذب، وادعى مشاهدتها لذلك، وليس لها صارف يصرفها عن تكذيبه، من دين أو رغبة أو رهبة، فتسكت عن تكذيبه - فإن ذلك يدل على صدقه، لأن استشهاده بها طلب لإخبارها بمثل ما أخبر، أو طلب لسكوتها عن تكذيبه، فسكوتها عن تكذيبه، كالخبر بصدقه. وكما لا يجوز أن تخبر بصدقه مع علمها بأنه كاذب، لا يجوز أن تسكت عن تكذيبه مع علمها أنه كاذب. ولأن النفوس محمولة على تكذيب الكذاب سيما إذا استشهادها به، فإن كفت وامتنعت، وجدت في نفسها ضرراً وأذى، فلا بد من وجود التكذيب إذا لم يكن في مقابلته صارف، إما من الكل أو من البعض. وأما إذا دعها، بدين أو رغبة، فإن الجماعة العظيمة لا يتساوون في إيثارها على الخبر الكذب. وألأما رهبة السلطان، فإنها إن منعت في الحال، فإنها لا تمنع في المستقبل. وأيضاً لا تمنع من إظهاره لإخوانه وأصدقائه، فلا يلبث القول إن يشيع ويظهر. وكذلك لا يطمع السلطان في أهل بغداد