٢ - وأيضاً- قالوا: إن العلم الحاصل بالبلدان لا ينتفي بالشك والشبهة - وهذا هو أمارة كون العلم ضرورياً.
٣ - وأيضاً - إن العلم الحاصل بالبلدان حاصل لمن ليس من أهل النظر والاستدلال، نحو العوام والمراهقين. فلو كان نظرياً، لتوقف على النظر.
٤ - وأيضاً - فإن من قال بأنه ضروري يعتقد الاستغناء عن النظر، وذلك بصرفه عن النظر، ويوجب انعدام النظر. وفي ذلك استحالة كونهم عالمين بالبلدان، والمعلوم بخلافه، فإن الكل مشتركون في ذلك.
والجواب:
أما الأول - قلنا: الاستدلال ليس إلا ترتيب علوم بأحوال المخبرين. ومن علم وجود الصين، علم أن من أخبره بذلك لا داعي له إلى الكذب، وإن لم يعرف أعيانهم، وعلم أنهم أخبروا عما لا لبس فيه، فلذلك علم به.
وأما الثاني - قلنا: من العلوم المكتسبة ما لا ينتفي بالشك والشبهة.
وأما الثالث - قلنا: لا يمتنع أن يجد هؤلاء من نفوسهم ترتيب علوم يحصل به علم آخر، وإذا جاز ذلك، جاز أن يكونوا عالمين بها بناء على ذلك.
وأما الرابع - قلنا: الاستدلال ما هو إلا ترتيب علوم بأحوال المخبرين على ما مر. ومن سمع الخبر عن البلدان، علم أنه لا داعي لهم إلى الكذب، وعلم [أنهم] كثرة يمتنع اتفاق الكذب منهم، وعلم أنهم أخبروا عما لا لبس فيما أخبروا عنه، من غير استئناف نظر، فبذلك حصل العلم بها.