للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٨ - باب: ما يكون بيانًا للأحكام الشرعية:

اعلم أن بيان الأحكام الشرعية إنما يكون بكل ما يقع به التبيين. وذلك ضروب:

منها- القول. [والقول] بوقوع البيان به أكثر من أن يُحصى.

ومنها- العقد بالأصابع. ووقوع البيان به لا يشتبه على احد. فإن عقد الأصابع بعد الكلام بيان له.

ومنها- الكتابة. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فإنه كتب إلى بعض عماله في أمر الصدقات.

ومنها- الفعل. وهو مختلف فيه:

قال قوم: إن الفعل لا يصلح بيانًا. وقالوا: إن البيان إنما يقع بكشف المراد، والفعل لا يصلح كاشفًا للمراد بنفسه، إلا بانضمام قول يُعلق هذا بذاك، فيؤول الأمر إلى أن البياني قع به، لا بالفعل. ولن الفعل قد يمتد مدة حصوله، فتعليق البيان به تأخير للبيان عن مورد الخطاب، والبيان ما يكون مقارنًا.

إلا أنا نقول: إن القول إنما يصلح بيانًا لأنه يقع به التبين، والفعل قد يقع بحال يقع به التبين، فصلح بيانًا، بل أولى، لأن القول إنما يكون كاشفًا بطريق الإخبار، والفعل كاشف بطريق المشاهدة، وللمشاهدة من المزية ما ليس للخبر. ولأن النبي عليه السلام بيَّن أركان الحج وأفعال الصلاة بالفعل حيث قال: "خذوا عني مناسككم". وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وكذلك الصحابة رضي الله عنهم بينوا أوامر الوضوء وغير ذلك بالفعل وهو معروف.

قوله: لا بد من قول يعلق هذا بذاك- قلنا: ليس كذلك، فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم عقيب الكلام المجمل قد يقع بحال لأجله يقع بيانًا بدون قول آخر. ولئن كان لا يصلح بيانًا إلا بواسطة قولية، لكن البيان يقع بالفعل لا بتلك الرابطة، والفعل يصير مبينًا بتلك الرابطة، كقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي":

<<  <   >  >>