[١٣ - باب في: أن صيغة "افعل": هل هي مشتركة بين الفائدتين على سبيل التحقيق أم لا؟]
ذهب أصحابنا وأكثر الناس إلى أن صيغة "افعل" حقيقة في الأمر الذي هو طلب الفعل، مجاز في غيره.
وكذلك قولنا:"لا تفعل" حقيقة في النهي الذي هو طلب الترك، مجاز في غيره.
وذهب بعض الناس إلى أن صيغة "افعل" مشتركة بين الأمر الذي هو طلب الفعل، وبين التهديد على الفعل والإيجاب والندب والإرشاد والإباحة، وجعلوها حقيقة في هذه الأشياء. وكذلك قول القائل:"لا تفعل": مشتركة بين النهي الذي هو طلب الترك وبين التهديد على الترك.
واستدلوا على ذلك بالاستعمال- فقالوا: إن قولنا: "افعل" كما هو مستعمل في الأمر الذي هو طلب الفعل، مستعمل في الندب والإباحة والإرشاد والتهديد على الفعل، فلما وجب كونه حقيقة في الأمر، وجب كونه حقيقة في هذه الأشياء، لمكان الاستعمال فيها.
ونحن نستدل على صحة ما ذهبنا إليه:[بـ] أن هذه الصيغة لو كانت مشتركة بين الأمر الذي هو طلب الفعل وبين التهديد على الفعل، لكان اقتضاؤه لكل واحد من المعنيين على سواء، ولكان لا يسبق إلى الفهم أحدهما إلا بقرينة، كاسم اللون: لما كان مشتركًا بين السواد والبياض لا يسبق إلى فهم السامع أحدهما إلا بقرينة، ونحن نعلم أن قائلًا لو قال لغيره "افعل" كان الأسبق إلى الأفهام طلب الفعل دون غيره- فعلمنا أنه حقيقة فيه مجاز في غيره، كما نعلم أن اسم الحمار لو لم يكن حقيقة في البهيمة ومجازًا في البليد، لما كان الأسبق إلى أفهامنا- عند إطلاق اسم الحمار- البهيمة دون البليد.