وقوله: إن أهل اللغة استعملوها في هذه المعاني- قلنا: بلى، ولكن لم قلتم بأن إطلاق الاستعمال دليل الحقيقة؟ :
فإن قال: استعمال الاسم لا يكون إلا في حقيقته- قلنا: هذا باطل بأسماء المجاز. فإن منع كون اسم الحمار مجازًا في البليد، فقد أبطلناه. وإن سلم ذلك لكنه فصل بين استعماله في البهيمة وبين استعماله في البليد بوجه- فنحن نفصل بين استعمال هذه الصيغة في الأمر وبين استعمالها في التهديد بذلك الوجه. ثم ذلك الوجه هو نفي الاطلاد، فإنه لا يصح أن يقال:"طلب منه الفعل على جهة الحتم وما أمره به"، ويصح أن يقال:"هدده على الفعل أو أباح له أو أرشده، أو ندبه إليه وما أمره به".
فإن قالوا: إن الأصل استعمال اللفظ في موضوعه، فنقول: أيش تعني بهذا الأصل؟ فإن قال: أعني به أن الظاهر استعماله في ذلك إلا أن يمنع منه مانع، وفي استعمال المجاز منع من ذلك مانع، وهو علمنا باضطرار أن أهل اللغة تجوزوا بهذه الأسامي في هذه المعاني- قلنا: أيش تعني بهذا الظاهر؟ إن كان تعني به ما يبين لنا ويظهر من فعل أهل اللغة أنه حقيقة فيه، فهو المتنازع فيه. وإن كان تعني به أن الأغلب ذلك، قلنا: لم قلتم إن الأغلب ذلك؟ ولئن كان الأغلب ذلك، ولكن هذا لا يفيد إلا الظن، وأسماء الحقائق لا تثبت بالظنون- والله أعلم.
١٤ - باب في: أن صيغة الأمر، هل تفيد الوجوب أم لا؟ :
ذهب أصحابنا وأكثر الناس إلى أنها تفيد الوجوب.
وذهب بعضهم إلى أنها لا تفيد الوجوب، وإنما تفيد الإباحة.