للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا ثبت هذا- نقول:

ظاهر الأمر يدل على الإجزاء، على هذا التفسير، لأن المأمور إذا فعل ما اقتضاه على الوجه الذي اقتضاه الأمر، سقط التعبد به، وحصلت المصلحة المطلوبة منه مستوفاة. لنه إذا فعل ذلك صار ممتثلًا للأمر، وإذا صار ممتثلًا للأمر يخرج عن عهدة الأمر، إذ يتناقض قول القائل: "امتثل الأمر" و"بقي عليه عهدة المر"، فكان مطلق الأمر مقتضيًا للإجزاء، إذ هو المقتضي للامتثال.

دليل آخر- إن مطلق الأمر لو لم يدل على الإجزاء على هذا التفسير، لكانت الصحابة رضي الله عنهم يراجعون النبي عليه السلام في كل أمر صدر من الله تعالى ومن الرسول في دلالة الإجزاء، ولكثرت مراجعتهم، ولسنَّة النبي عليه السلام، ولنُقل إلينا ذلك نقل تواتر ونقل استفاضة لتوفر الدواعي ومساس الحاجة، وحيث لا يُنقل دلَّ أن مطلق الأمر يكفي دلالة على الإجزاء.

وقوله- معنى قولنا: "هذا الشيء مجزئ" أنه لا يجب قضاؤه أو لا يجب تكراره- قلنا: ليس كذلك، لأن القضاء يتبع مشاركة الفعل الثاني الأول في المصلحة، ويجوز أن يكون الفعل مأمورًا به بحالة لا يشاركه فعل آخر في استيفاء المصلحة، فإذا فات لا يجب قضاؤه، [و] إذا فعل لا على الوجه المطلوب لا يقع الإجزاء به، ولا يجب قضاؤه- دلَّ عليه أن من صلَّى في الوقت بغير طهارة ثم مات عقيبه لا يجب عليه القضاء، وهذا الفعل غير مجزئ.

فإن قال: بأن المجزئ ما لا يجوز له أن يجب قضاؤه، وغير المجزئ ما يجوز له أن يجب قضاؤه- قلنا: حاصل هذا يرجع إلى ما قلناه من تفسير الإجزاء، لأن الذي لا يجوز أن يجب قضاؤه ليس إلا أن يفعل ما تناوله الأمر على الوجه الذي تناوله الأمر، والذي يجوز أن يجب قضاؤه هو أنه فعل ما تناوله الأمر على الوجه الذي تناوله الأمر- فرجع الكلام إلى ما ذكرنا.

وأما التكرار- فمسألة التكرار غير مسألة الإجزاء، ومعنى الإجزاء غير ذلك،

[بذل النظر- م ٦]

<<  <   >  >>