الحكم عما عداه، ما ذكرتم، وما أنكرتم أن العلة فيه شيء آخر؟ فإن قال: إن العلة في التقييد بالاسم هو أنه ليس في اللفظ ذكر لما عدا المسمى، فكذا في الصفة: ليس لما عداها ذكر في اللفظ، فلا يكون دليلًا- قلنا: هذا، رجوع من الكلام الأول إلى دليل آخر.
ثم نقول: هذا يقتضي أن تقييد الحكم بالصفة لا يدل على انتفاء الحكم عما عداه من جهة اللفظ. أما لا يقتضي أنه لا يدل على انتفاء الحكم عما عداه من جهة الفائدة والمعنى.
وأما المخالف فقد استدل في المسألة بأشياء:
منها- أن الخطاب المقيد بالصفة جارٍ مجرى الخطاب المقيد بالاستثناء. ثم الحكم المقيد بالاستثناء يدل على انتفاء الحكم عما عداه، فكذلك الحكم المقيد بالصفة.
ومنها- أن الأصل في خطاب الله تعالى أن يُحمل على ما تعممُّ فوائده، وفي جعل التخصيص بالذكر دليلٌ على نفي ما عداه تكثير لفوائده، فيجعل ذلك دليلًا عليه.
ومنها- أن الأمة عقلت وفهمت الأحكام من دلالة التخصيص، حتى رُوي أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: إن قوله عليه السلام: "الماء من الماء" منسوخ بقوله عليه السلام: "إذا التقى الختانان وغابت الخشفة وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل". فلولا أن قوله:"الماء من الماء" يقتضي نفي وجوب الغسل عما عداه، عندهم، لم يكن الحديث الثاني ناسخًا له.