والفقه فيه أن الاستثناء جزء من الكلام، وجزء الكلام وبعضه لا يكون له حكم، كالشرط والخبر والاسم: فإنه إذا انفرد كان لغوّا.
فإن قيل: لو اقترن به بيان يصير مفيداّ، بأن يستثنى بعد الكلام بشهر، ويقول:"هذا راجع إلى الكلام الفلاني"- قلنا: هذا استعمال لم يستعمله أهل اللغة، فلا يجوز، مع أنه متكلم بلغتهم، وإذا لم يصح لم يتعلق به حكم، لأن الشرع علق الأحكام بكلام تعارفه أهل اللغة، وأهل اللغة لم يتعارفوا الاستثناء بعد الكلام بشهر، كما لم يتعارفوا استعمال الشرط والخبر المبتدأ بعد شهر.
والمخالف احتج، وقال: أجمعنا على أنه يجوز النسخ وسائر أدلة التخصيص منفصلّا- فكذا الاستثناء، لأن الكل سواء في الدلالة على أن ما تناوله غير مراد بالكلام الأول- قلنا: هذا باطل بالشرط.
ثم الفرق بين الاستثناء والنسخ وأدلة التخصيص، ما ذكرنا: أن النسخ وأدلة التخصيص مفيد عند الانفصال، والاستثناء غير مفيد بل هو بعض الكلام- والله تعالى أعلم بالصواب.
(ب) باب في استثناء خلاف الجنس:
جوزه قوم، وقالوا: هو استثناء حقيقة، كاستثناء الجنس.
ونحن نمنع من ذلك إلا بطريق المجاز والإضمار، على ما نذكره.