وإن كان بعده:[فـ] يجعل بيانًا للنسخ، لأن تأخير بيان التخصيص عن وقت الحاجة لا يجوز، فيجعل بيانًا للنسخ.
- وإن كان العام هو المتأخر:
قال أصحابنا وجماعة من المتكلمين: يصير العام ناسخا للخاص.
وقال أصحاب الشافعي: يبنى العام على الخاص، ويجعل المراد بالعام ما لم يتناوله الخاص، كما لو اقترن أحدهما بالآخر.
دليلنا في ذلك- أن العام في تناوله لآحاد ما دخل تحته، جرى مجرى خبر خاص يختصه- ألا ترى أنه يصح التمسك به لإثبات الحكم، كما يصح التمسك بالخاص، فجرى العام مع الخاص، في حق تناوله الخاص، مجرى الخبرين الخاصين وردا، وهما متنافيان: أحدهما متقدم، والآخر متأخر:[فـ] يصير المتقدم منسوخا بالمتأخر- كذا هذا.
والمخالف- احتج بوجهين من الكلام:
أحدهما- أن الخبر الخاص، وهو قوله "لا تقتلوا اليهود" يقتضي المنع من القتل في عموم الأحوال، وقوله"اقتلوا الكفار" يقتضي الإباحة في حالة واحدة، والنهي يمنع من الإباحة في تلك الحالة، فوقع التعارض، والخاص أخص باليهود من العام وأقل احتمالًا منه، وكان العمل به أولى، بخلاف الخبرين الخاصين، لأن الخاص لا يمكن تخصيصه، لأنه لا يتناول إلا شيئا واحداً، والعام يمكن تخصيصه، لأنه يتناول أشياء، فيمكن إخراج جزء منه.
والثاني- أن الخاص مما يعلم دخول ما تناوله قطعا، ودخول ما تناوله الخاص تحت العام مشكوك فيه [إذ] يحتمل أن المراد به وراء ما تناوله الخاص، والعمل لا يترك بالشك.