للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وثانيها- وهو مبني على الأمر المقيد بالتأبيد. فإن الأمر بالفعل أبدًا يقتضي وجوبه في جميع الزمان بشرط الإمكان. فإن الله تعالى إذا أمرنا بالفعل على سبيل التأبيد، فلا يخلو: إما إن أراد وجوبه في جميع الأحوال، أو لم يرد وجوبه في جميع الأحوال:

فإن لم يرد في جميع الأحوال- فلقد لبس الأمر علينا، حيث لم يدل على خلاف هذا الظاهر. ولو جاز ذا، لجاز ذا، لجاز تأخير بيان التخصيص والمجمل، وذلك باطل. ولأنه لو جاز ذلك، لم يكن في الإمكان طريق للنبي عليه السلام في تعريفه إيانا تأبيد شريعته. لأن غاية ما يمكن للنبي عليه السلام أن يقول: "شريعتي مصلحة ما بقي التكليف والإمكان" أو يقول: "الوحي منقطع بعدي". وكما أن الخبر يدل على أن شريعته مصلحة ما بقي التكليف باعتبار هذا الظاهر، فالأمر يقتضي ذلك أيضًا، لأن الحكيم لا يأمر بالشيء إلا إذا كان مصلحة في ذلك الوقت. وإذا جاز النسخ في أحدهما، جاز في الآخر- فيتعذر طريق التعريف.

وإن أراد الفعل في جميع الأزمان- كان واجبًا في جميع الأزمان. فإذا نهى عنه في بعض الأزمان، فقد نهى عن عين ما أمر به. وهذا يدل إما على البداء أو على تعبد قبيح، وذا لا يجوز.

وثالثها- أن الأمر بالشيء يتضمن الإخبار بكونه مصلحة، والنهي يتضمن الإخبار بكونه مفسدة. فإذا نهى عن الشيء الذي سبق الأمر به لكان أخبر عن الحسن بأنه قبيح، وعن المصلحة بأنه مفسدة. وذاك كذب، فلا يجوز على الله تعالى.

<<  <   >  >>