وما دل الدليل على أن المراد منه الاستمرار- لأن المراد لو كان هو الفعل مرة واحدة: فقيل هجوم وقته، لا يجوز نسخه- لما مرَّ. وبعد انقضاء وقته، لم يبق الأمر فكيف يتصور نسخه؟
إذا ثبت هذا نقول:
الأمر المقيد بلفظة التأبيد كغيره من الألفاظ والأدلة المفيدة للاستمرار: لما جاز نسخ الألفاظ المفيدة للاستمرار، فكذلك الأمر المفيد للتأييد.
فإن قيل: لو جاز ورود النسخ على الأمر المقيد بلفظة التأييد، كما جاز قبل ذلك، لم يبق للتقييد فائدة- قلنا: هذا باطل، بتخصيص ألفاظ العموم المؤكدة بالتعميم.
ثم نقول: التقييد بلفظة التأييد قد يكون للمبالغة في الحث على الفعل، وقد يكون لتأكيد الاستمرار. فإذا ورد النسخ علمنا أنه ما أراد به الاستمرار، وإنما أراد منه المبالغة في الحث على الفعل، كما يقال:"لازم الغريم أبدًا -أو- امض إلى السوق أبدًا".
وأما من ذهب إلى المنع من جواز ذلك:
[فقد] استدل بأن قال: إن الأمر المقيد بلفظة التأبيد يفيد الفعل في جميع الأوقات ما بقي الإمكان، وجرى ذلك مجرى ألفاظ موضوعة للفعل في كل وقت من الأوقات. ولو نص على الفعل في كل وقت، لا يجوز ورود النسخ عليه - فكذا هذا.
والجواب:
اللفظ المفيد للفعل في جميع الأوقات، أمكن إخراج جزء منه واستعماله في الثاني. أما اللفظ المفيد للفعل في وقت واحد مرة واحدة، [فـ] لا يمكن إخراج جزء منه.