فالدلالة عليه- أن التلاوة والفعل حكمان يجوز أن يصير فعلهما مفسدة في المستقبل، فجاز ورود النسخ عليهما- على ما مرَّ.
وبيان وقوعه: ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها: "أن مما أنزل الله تعالى: "عشر رضعات يُحرمن" فهذا نسخ تلاوته وحكمه.
وأما المخالف في جواز نسخ التلاوة دون الحكم، والحكم دون التلاوة- فقد استدل بأن قال: إن التلاوة دالة على الحكم، ونسخ التلاوة دون الحكم إبقاء المدلول بلا دليل، وفي نسخه إبقاء الدليل بلا مدلول، وفيه تناقض.
والجواب: التلاوة إنما تدل على الحكم بشرط أن لا يعارضه مانع يمنع من مدلوله، كالعام دليل الاستغراق بشرط أن لا يعارضه دليل الخصوص. وأما بقاء المدلول بلا دليل فجائز -ألا ترى أن النبي عليه السلام لو أخبر أن زيدًا يعيش [مائة] سنة ثم انعدم القول بموته عليه السلام، لا يجب علينا بطلان العلم بحياته- فجاز أن يزول الدليل ويبقى العلم بالمدلول.
فإن قيل: الغرض من التعبد بالتلاوة هو الحكم دون نفس التلاوة، وإذا انتسخ الحكم لم يبق في بقاء التلاوة فائدة- قلنا: يجوز أن يرد التعبد بالتلاوة لمصلحة: إما لتعلق جواز الصلاة بها، أو لمصلحة أخرى كتلاوة أخبار الأمم الماضية وغير ذلك- والله أعلم.