فأفاد الجمع أي اجتمع ذلك في كل الملائكة، ولا خلاف في كل الملائكة، إنما الخلاف في أن الواو العاطفة في الأصل لأي معنى؟ .
فعندنا- للجمع المطلق من غير التعرض للترتيب والقران.
وقال بعض الشافعية- إنها للترتيب.
دليلنا في ذلك: أن من قال لغيره "رأيت زيدًا وعمرًا"- هذا لا يفيد تقديم رؤية زيد. على رؤية عمرو- ألا ترى أنه لو قال "وعمرًا بعده" أفاد فائدة مجددة. ولأنها لو أفادت الترتيب لكان قوله "رأيت زيدًا وعمرًا قبله- أو معه" مجازًا أو مناقضة من الكلام، كقول القائل:"رأيت زيدًا ثم عمرًا معه- أو قبله"، وأهل اللغة لم يجعلوا هذا مجازًا من الكلام ولا مناقضة، فدل أنها لا تفيد الترتيب.
دليل آخر: إن أهل اللغة قالوا إن واو العطف في الأسماء المختلفة يجري مجرى واو الجمع وياء التثنية في الأسماء المتفقة. لنهم متى لم يتمكنوا من الجمع في الأسماء المختلفة بواو الجمع استعملوا واو العطف ليفيد الجمع والاشتراك. ثم قول القائل: رأيت الزيدين" أو "جاءني الزيدون" لا يقتضي الترتيب بل يقتضي الاشتراك والجمع المطلق، فكذا قوله: "رأيت زيدًا وعمرًا وبكرًا وخالدًا" يفيد ذلك أيضًا.
فإن قيل: لا يمتنع أن تكون الواو العاطفة تجري مجرى واو الجمع في إفادة الجمع والاشتراك، ثم تختص بإفادة الترتيب، كـ- ثم والفاء: فإنهما يجريان مجرى واو الجمع في إفادة الجمع، ثم يختصان بزيادة فائدة وهو الترتيب- قلنا: أهل اللغة خصوا الواو العاطفة في أنها تجري مجرى واو الجمع، ولو كانت مفيدة للترتيب، كـ- ثم والفاء، لقالوا ذلك في: ثم والفاء، ولما قالوا ذلك في الواو دون ثم والفاء- عرفنا أنه يفيد الاشتراك فقط.
والذاهبون إلى الترتيب قالوا: إن قالوا القائل: "رأيت زيدًا وعمرًا" يفيد تقديم رؤية زيد على رؤية عمرو أولًا، لما بدأ بالإخبار برؤية زيد.