فإن قيل: أليس أن العمل بخبر الواحد لا يجوز إلا عند قيام الدلالة عليه، ولم تقم الدلالة عندهم، فكيف عملوا به؟ فإن قلتم: بأنه تواتر عندهم العمل بأخبار الآحاد فما يؤمنكم أن بتواتر شرعه فلم يكونوا عملوا على موجب الآحاد؟ - قلنا: لو كان العمل بخبر الواحد معلوما بالعقل، كانت الحجة معهم. وإن لم يكن معلوما بالعقل، فقد تواتر عندهم إنفاذ النبي صلى الله عليه وسلم آحاد الناس إلى القبائل، لأنه تواتر ذلك عندنا، فتواتره عندهم أولى، ولا كذلك الشرع، لأنه [لو] تواتر شرعه لما احتاجوا إلى إنفاذ آحاد الناس.
فإن قيل: في أول ما أنفذ النبي عليه السلام، من أين عملوا أن النبي عليه السلام أوجب عليهم الرجوع إلى قول الرسول.- قلنا: بخبر قومهم الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يمتنع أن يكونوا عددا يحصل لهم العلم بخبرهم: أن النبي عليه السلام تعبدهم بقبول قول رسوله.
هذا من تقرير هذا الوجه.
إلا أن لقائل أن يقول: نحن إنما نمنع المجتهد من الرجوع عن حكم العقل إلى خبر الواحد، أما لا نمنع العامي من الرجوع إلى قول العالم المفتي والأخذ بقوله، وهل تواتر عندكم أن الذين بعث إليهم الرسل كانوا من أهل الاجتهاد وأن الرسل كانوا يخبرونهم أو يكلون إليهم الاجتهاد فيما أخبروا، وليس معكم على ذلك دليل، بل الظاهر أن من تجدد إسلامه لم يكن من أهل الاجتهاد، فإن الرسل كانوا يعلمونهم الشرائع كما يعلم العالم العامي، والوالد الولد لصلاة وغيرها.