أحدهما- ما يشتبه الحال فيه، حتى يكون فيه موضع اجتهاد.
والثاني- ما لا يشتبه الحال فيه.
فالأول- لا يجوز العدول عنه إلى غيره، لأنه لا يمتنع أن الراوي لو نقل لفظ النبي عليه السلام إلى غيره، لكان يقع في اجتهاد غيره، خلاف ما يقع في اجتهاده. فلا يدين فيه من اعتقاد زيادة أو نقصان، ولأنه لا يجوز.
والثاني- جاز العدول عنه إلى لفظ يسد مسده، كقوله:"جلس" مع قوله: "قعد" وقوله: "علم" مع قوله: "عرف". بشرط أن يكون الراوي فقيهاً عالماً بمواقع الخطاب وحقائق الألفاظ.
إليه ذهب أصحابنا وعامة أهل الأصول.
وحكي عن بعض أصحاب الشافعي رحمه الله أن ذلك لا يجوز بحال.
والدلالة على جواز ذلك ما اشتهر من الصحابة رضي الله عنهم نقل الحديث بالمعنى، نحو قوله عليه السلام:"نهى عن بيع وشرط" و"نهى عن بيع غرر" و"نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان" و"أمر النبي عليه السلام بكذا" و"رخص في كذا" وكل ذلك نقل بالمعنى، لأنهم لم ينقلوا اللفظ الذي تلفظ به النبي عليه السلام- دل عليه أن النبي عليه السلام قال في هذا "إذا أصبتم المعنى فلا بأس". وعن عائشة رضي الله عنها نحو ذلك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يروى ويقول:"قال النبي عليه السلام أو نحوه". ولأن المتعبد به في الأخبار العمل به، دون تلاوة الألفاظ: دل عليه أن سفراء النبي عليه السلام ينقلون أوامره ونواهيه بلغاتهم المختلفة، إذ لا يفهمون إلا ذلك. وإذا جاز ذلك، فلأن يجوز بقرينة، أولى وأحرى.
والمخالف احتج بقوله عليه السلام:"نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها. فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه- ورب حامل فقه ليس بفقيه".