وقال عليه السلام:"من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب، فهو عند الله أحد الكاذبين". وذا لا يحصل إلا بعدالة من سمع منه، وكذا الثاني والثالث إلى أن يتصل بالرسول عليه السلام.
وأما إذا ذكر الراوي وقال:"هو عدل عندي"، فالقبول متفق عليه بين أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله. ويجب أن يكون مقبولاً، لأنه ثبت الحديث من النبي عليه السلام، غالباً وظاهراً، فيجب العمل به.
فإن قيل: العدالة إنما تثبت باستجماع أسباب العدالة وانتفاء أسباب الجرح، وذا لا يعرف إلا بالذكر- قلنا: هذا مذهب الشافعي رحمه الله: أن ذكر أسباب العدالة والجرح شرط التزكية. والصحيح خلاف ذلك، لأن أصحاب الحديث وغيرهم يزكون الرجل من غير أن يذكروا أسباب العدالة والجرح، ولأن أسباب العدالة إنما تتم باجتناب الكبائر وعدم الإخلال بالواجبات. وذكر أعيان ذلك في طول الزمان مخافة أن يكون فيها ما لا تسلم معه العدالة عند الشافعي رحمه الله، يؤدى إلى إيجاب ما يشق علينا إحصاؤه بل يتعذر ذلك، وهذا لا يجوز.
فإن قيل: إذا كان في ذكر أسباب العدالة مشقة يسقط، أما لا مشقة في ذكر الراوي فلا يسقط ذكره- قلنا: ذكر الراوي غير مقصود لذاته، بل ليعرف كونه عدلاً، فيثبت الحديث من النبي عليه السلام، وذا يحصل بعدالة الراوي عنه، لما مر.