فالذي نقل بطريق الاستفاضة أولى، لما أنه يقتضي العلم أو ظناً قريباً من العلم، فالعمل به أولى.
٢ - ومنها- كثرة الرواة. وقد اختلفوا فيه:
فذهب بعضهم إلى أنه لا يقع بها الترجيح- قالوا: الخبر إذا انحط ناقلوه عن عدد التواتر، فالواحد والأكثر فيه سواء.
وذهب عامة أهل الأصول إلى أنه يقع به الترجيح، وهو مذهب الكرخى والشافعي رحمهما الله.
والدلالة عليه- أن أحد الخبرين إنما يترجح على الآخر بقوة يتميز [بها] أحدهما عن الآخر، والكثرة توجب القوة. وإنما قلنا إن الترجيح يقع بالقوة، لأن خبر الواحد إنما يقع موجباً للعمل بغلبة الظن، والقوة في غلبة الظن توجب قوة في وقوعه موجباً للعمل. وإنما قلنا إن الكثرة توجب قوة الظن، لأن سكون النفس بخبر الجماعة أبلغ منه بخبر الواحد. ولأن الرواة إذا بلغوا التواتر يقع العلم بخبرهم، وكلما قاربوا تلك الكثرة، كان الظن بصدقهم أقوى، لأن السهو والغفلة مع الكثرة أقل، ولأن الإنسان قد يستحى عن الكذب إذا اطلع عليه غيره [و] لا يستحى إذا لم يشعر به غيره.
والمخالف- احتج بأن الخبر إذا لم يوجب العلم، فدرجات الظنون فيه غير معتبرة، وصار كالشهادة. والجامع بينهما أن كل واحد منهما خبر يتعلق به حكم. ثم الشهادة لا تترجح بالكثرة، فكذا الخبر. والدليل عليه أن الفتوى لا تترجح بكثرة المفتين، فكذا الخبر.
والجواب- الظن القوى مع الظن الذي هو أضعف منه، بمنزلة العلم