فإن قائلًا لو قال:"آمر" لا يدري السامع أي هذه الأمور أراد، كما إذا قال:"أدرك" لا يدري السامع أنه أراد به اللحوق أو الرؤية. فإذا قال:"آمر بكذا" يفهم منه القول المخصوص.
وإذا قال:"أمر فلان مستقيم" يفهم منه شئونه وطرائقه.
وإذا قيل "جاءني زيد لأمر من الأمور" يفهم منه شيء من الأشياء.
وإذا كان مستعملًا في هذه الأشياء الثلاثة [فـ] لا يُحمل على واحد منها إلا بدليل.
ثم الدليل على أن اسم الأمر لا يقع على الفعل حقيقة- أنه: لو كان يقع عليه حقيقة لا طرد فيه، فيسمى كل فعل به: فيسمى الأكل أمرًا، والشرب أمرًا، وليس كذلك. وكان يجب أن لا يصح نفيه عنه. والأمر بخلافه. وأنه يصح أن يقال في كل فعل "فعل هذا الفعل وما أمر".
فإن قيل: أليس أنه يقال للأكل الكثير "هذا أمر عظيم"، وهذا إطلاق اسم الأمر على الفعل- قلنا: إنما قيل ذلك لا باعتبار أنه فعل، بل باعتبار أنه شيء- يعني "هذا شيء عظيم". وقد ذكرنا أن اسم الأمر حقيقة في الشيء- ألا ترى أنه لا يقال ذلك في الأكل القليل مع أنه فعل.