ووجه القول الثاني- ما ذكرنا في الأبواب المتقدمة: أن الفعل لا يتعدى إلينا بنفسه، والقول يتعدى بنفسه، فالعمل بالقول أولى.
والصحيح أنه يتوقف فيه، ويطلب الترجيح بوجه آخر.
والدلالة عليه قوله تعالى:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] وقوله تعالى: [فَاتَّبَعُوهُ]. [و] استقباله إلى بيت المقدس لقضاء حاجته، معارض للنهى، فلا ينبغي أن يعترض على الآخر بأحدهما.
وقوله: القول يتعدى بنفسه والفعل لا يتعدى- قلنا: إذا اعترضنا بالنهى على الفعل، كان التخصيص واقعاً في قوله تعالى:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]. وهذا قول يتعدى إلينا بنفسه. وإذا تعذر الترجيح من حيث هو قول وفعل، بطل الترجيح من وجوه أخر. وفي هذه الصورة وجه ترجيح، وهو أن النهى أخص من قوله تعالى:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]، والأخص أقوى، فكان أولى.
فإن قيل: التخصيص واقع على الفعل، لأن الفعل [هو] الذي دل على وجوب مثله علينا، والفعل أخص من النهى- قلنا: الفعل لا يدل على وجوب مثله علينا بنفسه، بل بغيره، وهو القول- على ما مر. وكان التخصيص واقعاً على القول، بخروج هذا الفعل عن كونه واجب الإتباع فيه بحكم الآية، والنهى أخص منه.