لكان إذا اختلفت الصحابة في المسألة على قولين، ثم اتفقوا على أحدهما، جاز لأهل العصر الثاني أن يجمعوا على القول الآخر، فيؤدي إلى أن لا يستقر الإجماع، وهذا فاسد.
والجواب:
-أما الأول- قلنا: القائلون بأن الحق في واحد منهما، لم يجمعوا على جواز الأخذ بكل واحد منهما، بل أوجبوا على المجتهد الأخذ بالحق منهما، وعلى العامي تقليد من يُفتيه. فإذا أجمعوا تبين أن الحق فيه، ولم يبق من يفتي بالآخر. وأما القائلون بأن "كل مجتهد نصيب"، فإنما سوغوا الأخذ بكل واحد من القولين، بشرط أن تكون المسألة اجتهادية- ألا ترى أنهم لو سئلوا عن علة جواز الأخذ بكل واحد، لعللوا بكون المسألة من مسائل الاجتهاد، فعلى الخصم أن يبين أن المسألة بعد الإجماع على أحد القولين من مسائل الاجتهاد، لتتم الدلالة، ونحن بينا أنهم لما أجمعوا، تناولتهم أدلة الإجماع، فلم تبق المسألة من مسائل الاجتهاد، وزوال الحكم بزوال شرطه، فلا يكون نسخاً.
فإن قيل: نعارضكم بمثله- فنقول: كون الإجماع حجة مشروطة بشرط أن لا يتقدمه اختلاف- قلنا: ما ادعيناه من الشرط مدلول عليهم من جهتهم، فإنهم يعللون ذلك. وما ادعيتم لا دليل عليه لأنهم لم يصرحوا بذلك عند الإجماع.
- وهذا هو الجواب عن الثاني، لأن المختلفين في المسألة إنما أجمعوا على جواز الأخذ بكل واحد من القولين، بشرط كون المسألة اجتهادية، وبعد إجماع أهل العصر الثاني، لم تبق اجتهادية. ولا كذلك أجماعهم على أحد القولين، لأن أجماعهم على أحد القولين غير مشروط بشرط، ولو صح الإجماع الثاني، تضمن بطلان الأول، فيكون باطلاً- والله أعلم.