على أن نقول: هذا الحديث والثاني والثالث خطاب مواجهة لمن كان في ذلك العصر ممن ليس في الصحابة: أن تقلد الصحابي وتتبعه. ومن لم يكن صحابياً [و] لم يكن من أهل الاجتهاد، فجاز له أن يقلد الصحابي، ولا كلام فيه.
ثم نقول: ليس في هذه الأحاديث بيان وجوه الاقتداء، فيحتمل أن الاقتداء بهم في روايتهم، لأنه يقال لمن اتبع رواية غيره: إنه اقتدي به.
وأما قوله عليه السلام:"الحق بعدي مع عمر" ودعاؤه لعلي رضي الله عنهما، فليس فيه ما يدل على لزوم تقليد ما، لمجتهد آخر، فأن قولهما واجتهادهما قد كون حقاً، واجتهاد غيرهما قد يكون حقاً. على أن هذه أخبار آحاد، لا يجوز إثبات أصل من الأصول بها.
وأما الثاني- قلنا: الصحابة كان يرجع بعضهم إلى قول بعض، بعد ظهور الحق في قوله، باجتهاد من رجع، لا تقليداً. ورجوع عمر إلى قول علي ومعاذ رضي الله عنهم كان بعد التنبه على وجه قولهما، والصحابة لم ينكروا عليه، مع أنه لم يبين ذلك الوجه لحسن ظنهم به.
وأما الثالث- فهو بناء على أن اجتهاد غير الصحابي دون اجتهاد الصحابي، وهذا مما لا سبيل إليه، لاختلاف الحوادث وأحوال المجتهدين فيه والله اعلم.