وأما جواز تخصيصه به- فالدلالة على ذلك، على كل حال: فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على تخصيص قوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} بالقياس، لأنهم اختلفوا في مسألة الجد: فمنهم من جعل الجد أولى بالمال من الأخ بنوع قياس. وبعضهم قاسم بين الجد والأخ بنوع قياس، فلم يعط جميع المال للأخ، وهو تخصيص بهذه الآية، ولم يعط الأخت نصف مال الأخ مع الجد.
وهذه الدلالة تفسد قول من أجاز تخصيصه إذا خص، ولم يجوزوا إذا لم يخص. ولأنا قد ذكرنا في باب الأخبار أن العام إذا خص منه كالذي لم يخص، فإجماعهم على جواز تخصيص أحدهما، إجماع على جواز تخصيص الآخر.
فإن قيل: التخصيص في معنى النسخ، من حيث إن كل واحد منهما يخرج بعض ما تناوله الخطاب. ثم إجماعهم على جواز تخصيصه بالقياس، لا يكون إجماعاً نسخه، فكذا هذا - قلنا: كل مسألتين إذا كان معناهما واحداً ولا تفاوت بينهما، فالإجماع على جواز أحدهما يكون إجماعاً على جواز الآخر. وهو كإجماعهم على جواز القياس في مسألة: يدل على صحة القياس في مسألة أخرى تجرى مجراها. فإجماعهم على جواز التخصيص [بالقياس، دليل على جواز نسخه بالقياس] الذي هو بمعناه. ويجوز أن يرد التعبد بأحدهما دون الآخر لمصلحة يفترقان فيها، لا يعلمها إلا الله تعالى.