للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وثالثها- إن جواز تخصيص العلة يسد باب إثبات الأحكام في الفروع الاجتهادية- بيانه: أنا إذا جوزنا امتناع ثبوت الحكم في بعض المواضع، مع وجود ما هو علة في الأصل، وفي كل موضع يعلل المجيب لإثبات الحكم- فلقائل أن يقول: جواز امتناع الحكم هنا مع وجود العلة، لأنه متى جاز ذلك في موضع، فلا وجه لفرق بينه وبين موضع آخر. فلابد من دليل آخر يوجب اتصال الحكم بها في هذا الموضع، مع جواز انفصاله عنها، وذلك مما لا سبيل إليه.

ورابعها- إن جواز تخصيص العلة يبطل كونها علة- بيانه: أنه إذا وجد الوصف الذي أدعى المجيب كونه علة للحكم بحده في موضع، ولم يثبت الحكم، علم أنه ليس بعلة، لأن العلة ما يقتضي ثبوت الحكم، أو المؤثر في ثبوته. والأصل أن المقتضي والمؤثر إذا وجد، يوجد المقتضي والأثر، فإذا امتنع ثبوت الحكم هنا، دل ذلك على أن [الوصف] الذي ذكره المجيب ليس بعلة، وإن أبرز المجيب وجه الاقتضاء والتأثير، فهذا يبطل كونه علة، بطريق المعارضة، فيبطل كونه علة.

فهذه الوجوه الأربعة مختلفة الصور، وإن كانت معانيها متقاربة. ولهذا أمثلة أوضحها أن واحداً لو أخبر بعشرة أشياء، والمعلوم من اله في الظاهر السداد والأمانة والتجنب عن الكذب، يغلب على ظننا وجود كلها، وتثبت الحكم المتعلقة بها، ومحال أن يغلب على ظنوننا بعضها دون بعض، وحاله في السداد والأمانة ما ذكرناه.

فإن قبل: تجويز تخصيص العلة لا يؤدي إلى ما ذكرتم، لأن للمجيب أن يقول: هذه العلة إنما تثبت الحكم عندي بشرائط أخر، أو عند أوصاف غير ما ذكرته-

<<  <   >  >>