من الأفعال، لا الفعل المعين، لأن المكلف لا يميز ذلك، ومتى يتناول فعلًا واحدًا على صورة مخصوصة، والفعل في الزمان الثاني والثالث على صورة مخصوصة، فإذا فعل في أي وقت، فقد فعل فعلًا له صورة مخصوصة، فيسقط الأمر. كما إذا قال لغيره:"ادفع درهمًا إلى رجل"، فإذا دفع أي درهم شاء إلى أي رجل شاء، سقط عنه الأمر، لأنه مأمور بدفع شيء له صورة [مخصوص] إلى شخص له صورة مخصوصة، وقد وجد، فكذا هذا. على أن نقول: الأمر عندنا لا يقتضي التكرار: على معنى أنه لا يقتضي وجوب الأفعال على الجمع، بحيث لو فعل الواحد يجب عليه غيره. أما يقتضي التكرار على معنى أنه يقتضي وجوبها على البدل، فأيها فعل يسقط الأمر، وهو بمنزلة قوله:"افعل في أي وقت شئت"[فإنه] تناول فعلًا واحدًا، وحكمه ما ذكرنا- كذا هذا.
وأما الثاني- قد ذكرنا أن هذه الألفاظ موضوعة في اللغة للإخبار، والشرع جعلها إنشاء في الحال، وليس من ضرورة أن يثبت الشرع حكمًا على الفور في موضع، أن يكون المر المطلق، على الفور. على أن هذا إثبات موجب اللفظ بدليل آخر، ولا كلام فيه، إنما الكلام في موجب اللفظ. ولن هذا إثبات موجب اللفظ قياسًا على موجب لفظ آخر، وذلك ممتنع. ولو جاز ذلك، فقياس هذا على الخبر أولى- وبيانه: أن من قال: "زيد سيدخل الدار" فدخلها بعد مدة، يعدُّ صادقًا، فكذا الأمر، لأن معنى قول القائل:"زيد سيدخل الدار" إخبار عن إيقاع الدخول، كما أن قول القائل:"ادخل" حثٌّ على إيقاع الدخول. ثم الخبر عن الإيقاع: لا يقتضي وجود المخبر على الفور، فكذا الحث على الإيقاع: لا يقتضي الفعل على الفور أيضًا.
وأما الثالث- فنقول: عندنا يجوز تأخير الفعل إلى غاية أن يغلب على الظن فواته بأمارة، وهذا لما مرَّ: أن الأمر تناول فعلًا واحدًا في زمان غير معين، وإذا كان كذلك، فالواجب في الحكمة أن يعين الله تعالى وقتًا يتضيق فيه الوجوب، وإلا لم يكن للعبد سبيل إلى معرفة ما كُلِّف به. فإذا وجدنا الأمارة، نحكم بأن