الله تعالى (١٩٣٨ - ٢٠٠٨م) الفريد في بابه، (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)(١). فحينما تصفحت فهارسه شعرت وكأني أخوض بحرًا لجِّيًا لا يُرَى ساحله على مرمى البصر، وحينها علمت أن الأمر سيطول!
انتقيت من الموسوعة المباحث المتعلقة بموضوعي، وأذكر أن أول ما بدأت به كان المبحث المتعلق بپروتوكولات حكماء صهيون، المدون في المجلد الثاني من الموسوعة.
وهنا كانت صدمتي الثانية!!؛ حيث إني لم أجد فيما ذكره ما يخدم هدفي مطلقًا! بل على العكس، وجدت المبحث يتخذ مسارًا معاكسًا تمامًا لما اتخذته في بحثي.
أعدت القراءة عدة مرات، ولكن لا جدوى. فأخذت أجول بين صفحات الموسوعة ناشدًا ضالتي، ولكن الذي تبين لي أنها ما اتخذت هذا الطريق في الأصل! غير ذلك، فقد أصبت بحالة من الذهول من سعة اطلاع الرجل وعمق تفكيره، بل ومن وعورة أسلوبه كذلك، رحمة الله تعالى عليه.
وقتها استشعرت ضآلة حجمي، وأبقيت البحث قيد التنفيذ لحين وضوح الرؤية التي
(١) يقول الدكتور المسيري رحمه الله: «وقد يكون من المفيد أن أذكر تجربتي مع كتابة (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد)؛ فعندما بدأت في كتابتها بشكل جدي عام ١٩٨٤م وصلني ثلاثة عشر خطاب تهديد بالقتل من منظمة كاخ Kach؛ ستة منها في الرياض حيث كنت أقوم بالتدريس في جامعة الملك سعود، وستة في القاهرة حيث أقيم، أما الخطاب الثالث عشر فقد وصلني بعد يومين اثنين من وصولي من الرياض إلى القاهرة، وجاء فيه ما يلي: "نحن نعلم أنك قد عدت لتوك من الرياض ونحن نعد لك قبرًا" ... وكان الهدف بطبيعة الحال ألا نستمر في عملنا (وبالفعل جاء في أحد الخطابات "إن لم تتوقف عن مهاجمة الصهيونية في أعمالك فإننا سنرديك قتيلًا"). أبلغنا السلطات المصرية التي قامت بحمايتنا. بل إن الصحف الإسرائيلية أخبرت مائير كاهانا Meir Kahane [١٩٣٢ - ١٩٩٠ م]، رئيس منظمة كاخ - الذي اعترف في حوار أجرته معه صحيفة (يديعوت أحرونوت Yedioth Ahronoth) أنه مرسل الخطابات - أنه لو بدأ في عمليات اغتيال ضد المثقفين المصريين فيمكن أن يكون هناك رد فعل مصري عنيف، وأنه من الأفضل ألا يفعل، فارتدع. وهذا يبين أن قوة اليهود ليست مطلقة، وأنهم يفهمون في موازين القوى. ومدَّ الله في عمرنا، وبعونه وبفضله انتهينا من كتابتها عام ١٩٩٩م» اهـ[د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (١٨ - ٩) باختصار وتصرف يسير].