للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوم موسى - عليه السلام -، والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله - عز وجل -: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (١)، فهل يهود المدينة أنفسهم هم الذين قالوا لموسى أرنا الله جهرة؟ وهل هم الذين أخذتهم الصاعقة بظلمهم؟

وقوله - جل جلاله -: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٢)، فهل يهود المدينة أنفسهم هم الذين رُفِع فوقهم الطور؟

ومعلوم بالضرورة أن القرآن الكريم هو نفسه الذي يدعو به المسلمون غيرهم شرقًا وغربًا، قديمًا وحديثًا، {وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ} (٣)، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٤).

ولذا، فكما قال السعدي رحمه الله (٥): «والخطاب مع فرق بني إسرائيل الذين بالمدينة وما حولها، ويدخل فيهم من أتى بعدهم، فأمَرَهم بأمر عام» اهـ.

يقول الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل (٦): «لم يكن من قبيل المصادفة تحذير القرآن الكريم من عداوة اليهود ووضعهم في مقدمة صفوف أعداء المؤمنين في قول الله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (٧)، ولم يكن مصادفة كذلك حديث القرآن المتكاثر عن هذا الصنف من الناس بهذا الشكل اللافت؛ حيث شغل الكلام عن بني إسرائيل واليهود حيزًا كبيرًا في التنزيل الحكيم مكيِّه ومدنيِّه؛ بحيث ورد ذكرهم تصريحًا أو تلميحًا ومسهبًا أو مقتضبًا في نحو خمسين سورة من مجموع المائة والأربع عشرة سورة من سور القرآن.

نعم، لم يكن ذلك كذلك قط، فباليقين هناك سر بل أسرار، وبالحتم ثمة حكمة بل حِكَم من وراء استحواذ اليهود على كل ذلك الاهتمام، تحذيرًا وتنبيهًا، وتوضيحًا وتفصيلًا. ولقد كانت الأحداث المتتابعة أثناء عهد تنزيل الوحي كفيلة بكشف أسرار كثيرة، وسبر أغوار عميقة جديرة بأن نقف أمامها طويلًا. فما كاد العهد المكي ينقضي إلا ويجيء العهد المدني كاشفًا بمرور أيامه عن جوانبه الحقيقية، حقيقة العداء اليهودي المتأصل للإسلام وأهله» اهـ.


(١) البقرة: ٥٥
(٢) البقرة: ٦٣
(٣) الأنعام: ٣٤
(٤) الحجر: ٩
(٥) تفسير السعدي، ص (٤١)، تفسير الآية ٤٠ من سورة البقرة.
(٦) د. عبد العزيز مصطفى كامل: قبل الكارثة، نذير ونفير، ص (٢٥).
(٧) المائدة: ٨٢

<<  <   >  >>