- اليهود قتلة المسيح الذين أنكروه، ولذا لا بد من عقابهم على ذلك.
- اليهود هم أيضًا الشعب الشاهد الذي عاصر أعضاؤه ظهور المسيح وبداية الكنيسة، وهم بتَمسُّكهم بشعائر دينهم - التي ترمز إلى الشعائر المسيحية منذ القدم - وبتدني وضعهم، يقفون شاهدًا حيًا على صدق الكتاب المقدَّس وعلى عظمة الكنيسة (١).
وقد تَمثَّل هذا الموقف المزدوج في سياسة الكنيسة التي وضعها البابا جريجوري الأول (الأعظم) Pope Gregory I (The Great) (٥٤٠ - ٦٠٤ م) وآخرون من بعده، والتي ترى ضرورة الإبقاء على اليهودية وعلى الشعب اليهودي باعتباره شعبًا شاهدًا سيؤمن في نهاية الأمر بالمسيحية، ولذا ينبغي حماية اليهود من الدمار والإبادة، ولكن ينبغي في الوقت نفسه وضعهم في مكانة أدنى.
ولقد أصدر جريجوري الأول مرسومًا بابويًا يتضمن هذه العبارة:«كما أن اليهود لا يحق لهم أن يفعلوا ما لا يُسمَح لهم به حسب القانون، فإنه يتعيَّن ألا يُحرَموا من المزايا التي منحت لهم». ومن ثم مُنع قتل اليهود أو الهجوم عليهم أو حرق معابدهم أو مضايقتهم أثناء تعبُّدهم أو استخدام القوة في تنصيرهم. وأصبح هذا المرسوم أساسًا لكل المراسيم البابوية اللاحقة حتى القرن الخامس عشر الميلادي.
ولهذا، حاربت الكنيسة الطرق غير الشرعية لتنصير اليهود قسرًا، معتبرة أن ثمرة هذه العملية لا تشكل أي نصر حقيقي للكنيسة ولا تزيد عظمتها. ولكنها شجعت في الوقت
(١) وكان يرى پولس - الملقب بالقديس - أن رفض اليهود قبول مسيحهم المخلِّص هو سر من الأسرار. وهم يحملون الكتاب المقدس الذي يتنبأ بمقدمه منذ أيام المسيح، ومع هذا ينكرونه، ولذا فقد وُصفوا بأنهم «أغبياء يحملون كتابًا ذكيًا»، أي لا يعون فحوى ما يحملون. وتنبأ پولس أيضًا بأن قسوة قلب إسرائيل ستزداد على مر الأيام إلى أن يتنصر الأغيار جميعًا، وحينئذ سيتم خلاص إسرائيل نفسها أي اليهود كشعب بالمعنى الديني. كما يرى أن شتات اليهود لم يكن فقط عقابًا لهم على رفضهم العهد الجديد وعدم إدراك أن العهد الجديد وضَّح المعاني الخفية في العهد القديم بل إن هذا الشتات هو نفسه إحدى الوسائل لنشر المسيحية، كما أن ضعف اليهود وتمسكهم في الوقت نفسه بشعائر دينهم التي ترمز للمسيحية منذ القدم، دون أن يعوها، يجعل منهم شعبًا شاهدًا يقف دليلًا حيًا على صدق الكتاب المقدَّس وعلى عظمة الكنيسة وانتصارها. وبذا، تحوَّل اليهود إلى أداة لنشر المسيحية. [انظر السابق (٤/ الشعب الشاهد)].