للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أدت بالفعل العزلة النفسية التي عاش فيها اليهود عبر قرون طويلة إلى اتصاف اليهود بعقلية قاسية تميل إلى الشر والهدم وسفك الدماء، وأصبحت الشخصية اليهودية التي عاشت في الجيتو شخصية عدوانية، فقد كان لحارات الجيتو الفضل في الحفاظ على العنصرية اليهودية في شكلها المرضي الذي أصبح داء عضالًا، حتى انقلب إلى موقف رفض للاندماج ثم إلى عداء للإنسانية (١).

يذكر إسرائيل شاحاك بعض مظاهر هذا العداء فيقول (٢): «أصبح من المألوف أن يتم البصق عند رؤية كنيسة أو صليب، ويمكن أحيانًا التلفظ ببعض الآيات التوراتية المهينة للأغيار. وأدت هذه العادات إلى الكثير من الحوادث في تاريخ اليهود في أوروپا، أشهرها - والتي ما زالت آثارها واضحة حتى الآن - وقعت في القرن الرابع عشر في پراج، حيث أمر الملك شارلز [الرابع Charles IV (١٣١٦ - ١٣٧٨ م)] ملك بوهيميا، الذي كان الإمپراطور الروماني المقدس أيضًا Holy Roman Emperor، بنصب صليب ضخم وسط جسر مُجرى بناه وما زال قائمًا حتى اليوم، وقد قيل له وقتها إن يهود پراج لديهم عادة البصق كلما مروا بالقرب من الصليب، ولأنه كان مشهورًا بحمايته لليهود، لم يعاقبهم على ذلك، بل حكم على الطائفة اليهودية بدفع نفقات نقش كلمة أدوناي Adonay التي تعني (الرب) بالعبرية، على الصليب بحروف ذهبية، وهذه الكلمة أحد أقدس سبع تسميات للرب، ولا يسمح بإبداء أي نوع من عدم الاحترام أمامهما، ولذلك توقف اليهود عن البصق» اهـ.

ولقد وجهت لليهود في هذه الفترة عدة تُهَم، منها نشر الوباء الأسود (الطاعون) وتسميم الآبار والمدن، «ولم يكن هناك تفسير علمي لهذه الظاهرة في العصور الوسطى، فأصابت الناس بالذهول، وفسرته الجماهير بأنه غضب الرب بسبب فساد الناس. كما اتجهت شكوك الناس نحو أعضاء الجماعات اليهودية لأن معدلات الإصابة بين اليهود كانت أقل نسبيًا من المعدلات العامة مع أن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا يعيشون بين الجماهير. ولعل هذا كان يعود إلى عزل اليهود في الجيتو عن بقية السكان وإلى وضعهم


(١) د. سناء عبد اللطيف: الجيتو اليهودي، ص (٣٦٤) بتصرف يسير.
(٢) إسرائيل شاحاك: اليهود واليهودية، ثلاثة آلاف عام من الخطايا، ص (١٤٥) الهامش بتصرف.

<<  <   >  >>