للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وإنما أقامها اثنان: المسيح - عليه السلام - والقديس پولس، ولذلك يجب أن يتقاسم شرف إنشائها هذان الرجلان. فالمسيح - عليه السلام - قد أرسى المبادئ الأخلاقية للمسيحية، وكذلك نظرتها الروحية وكل ما يتعلق بالسلوك الإنساني، أما مبادئ اللاهوت فهي من صنع القديس پولس، فالمسيح هو صاحب الرسالة الروحية، ولكن القديس پولس أضاف إليها عبادة المسيح. كما أن القديس پولس ألَّف جانبًا كبيرًا من (العهد الجديد) وكان المبشِّر الأول للمسيحية في القرن الأول» اهـ[مايكل هارت: الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ص (٢٣ - ٤). Michael H. Hart: The ١٠٠: A Ranking of the Most Influential Persons in History]. وشاول هو يهودي من فرقة الفريسيين ألد أعداء المسيح - عليه السلام -[انظر، أعمال ٢٦: ٥]، ولد في طرسوس، وكان ممن يضطهدون النصارى ويعذبونهم عذابًا شديدًا، وكان يروي ذلك عن نفسه فيقول: «واضطهدت مذهب يسوع حتى الموت، فاعتقلت الرجال والنساء فألقيتهم في السجون» [أعمال ٢٢: ٤] .. ثم يذكر أنه حينما كان يسير في طريقه متوجهًا إلى دمشق مطاردًا أتباع المسيح إذ سطع حوله فجأة نور باهر من السماء، فوقع على الأرض، وسمع صوتًا يقول: «يا شاول، يا شاول، لماذا تضطهدني؟ فقال: من أنت يا سيد؟ فقال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، فقال له وهو مرتعب خائف: يا رب، ماذا تريد أن أعمل؟ ...» فأمره بأن يذهب ليكرِّز بالمسيحية (أي يبشِّر بها). [انظر، أعمال ٩: ٣ - ٦، فصل بعنوان: (اهتداء شاول)!]. ولقد تنازع الناس بين كون پولس يهوديًا حاقدًا تظاهر بالنصرانية ليفسدها، وكونه متنصرًا متحمسًا ذا مواهب شخصية فذة لم يستطع أن يتخلص من آثار سابقة ولم يفقه دعوة المسيح وغاياتها؛ فيقول رحمة الله الهندي (١٢٣٣ - ١٣٠٨هـ): «پولس وإن كان عند أهل التثليث في رتبة الحواريين، لكنه غير مقبول عندنا ولا نعده من المؤمنين الصادقين، بل من المنافقين الكذابين ومعلمي الزور والرسل الخداعين، الذين ظهروا بالكثرة بعد عروج المسيح، وهو خرب الدين المسيحي، وأباح كل محرم لمعتقديه، وكان في ابتداء الأمر مؤذيًا للطبقة الأولى من المسيحيين جهرًا. لكنه لما رأى أن هذا الإيذاء الجهري لا ينفع نفعًا معتدًا به، دخل على سبيل النفاق في هذه الملة وادعى رسالة المسيح، وأظهر الزهد الظاهري. ففعل في هذا الحجاب ما فعل، وقبله أهل التثليث لأجل زهده الظاهري، ولأجل فراغ ذمتهم عن جميع التكاليف الشرعية» [رحمة الله الهندي: إظهار الحق (٢/ ١٩٥)]، كذا يقول الإمام علي بن حزم رحمه الله (٣٨٤ - ٤٥٦هـ/٩٩٤ - ١٠٦٤م): «وفيما سمعنا علماءهم يذكرونه ولا يتناكرونه معنى أن أحبارهم الذين أخذوا عنهم دينهم والتوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام اتفقوا على أن رشوا پولس البنياميني - لعنه الله - وأمروه بإظهار دين عيسى - عليه السلام - وأن يضل أتباعهم ويدخلهم إلى القول بإلاهيته وقالوا له: نحن [نتحمل] إثمك في هذا! ففعل وبلغ من ذلك حيث قد ظهر» [ابن حزم: الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِحَل (١/ ١٦٤)]، بل ويقول المؤرخ الأمريكي وِلّ ديورانت (١٨٨٥ - ١٩٨١م): «وقد بقي پولس إلى آخر أيامه يهوديًا في عقله وخلقه» [ول ديورانت: قصة الحضارة (١١/ ٢٥٠). Will Durant: The Story of Civilization]، ويطرح الشيخ محمد أبو زهرة سؤالًا فيقول: «ولقد يعجب الذين درسوا الديانات وعرفوا أحوال رجالها، وأدوارهم، فيقولون: كيف ينتقل رجل من كفر بديانة إلى =

<<  <   >  >>