للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقدس من الصبغة السياسية؛ ففكرة المسيح المنتظر بين اليهود، التي كانت مرتبطة بشكل وثيق بحركة الإصلاح الديني، كانت تعارض التدخل البشري أو الدنيوي لتحقيقها، وتتوقع بدلًا من ذلك أن تتحقق عن طريق التدخل السماوي (١).

ويلاحظ أن المفهوم السياسي بدأ في التسرب داخل الأفكار الصهيونية غير اليهودية بصورة واضحة في عهد الإنجليزي أوليفر كرومويل Oliver Cromwell (١٥٩٩ - ١٦٥٨ م)، والذي ترأس الكومنولث الإنجليزي (٢) لمدة عشر سنوات (١٦٤٩ - ١٦٥٨م)؛ وكان كرومويل حينها في حرب مع الپرتغال، وهي أولى الحروب التجارية من أجل استعادة سيادة بريطانيا البحرية لإصلاح جسور التجارة مع المستعمرات. وقد أفقدت الحرب الأهلية بريطانيا صدارتها التجارية. وكانت طبقة رجال الأعمال والتجار، وأغلبهم من الپيوريتانيين، يغارون من الهولنديين الذين استغلوا الفرصة واقتنصوا مركز الصدارة في التجارة مع المشرق والشرق الأقصى والمستعمرات والأمريكتين. ولقد ساعد على نجاح الهولنديين التجار اليهود الذين جلبوا الفرص من خلال علاقاتهم بجنوب أمريكا وبالمشرق، ولم يغب ذلك عن كرومويل، فاستغل عائلات يهود الأندلس المارانو Marranos (٣) المقيمين بإنجلترا.

وبدأ الاتصال الرسمي مع مناسح في عام ١٦٥٠م بعد انتشار كتابه مباشرة. وأُرسلت بعثة إلى هولندا لعقد تحالف مع الهولنديين، وكُلفت البعثة التفاوض الجانبي مع مناسح،


(١) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (٣٥) بتصرف.
(٢) الكومنولث الإنجليزي: هو الاسم الذي أطلق على الحكومة المشتركة التي حكمت (إنجلترا وأيرلندا واسكتلندا) في الفترة من عام ١٦٤٩ إلى ١٦٦٠م. [للتوسع، انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Commonwealth of England].
(٣) تطلق كلمة مارانو على اليهود المتخفين، في إسپانيا والپرتغال، الذين تراجعوا ظاهريًا عن اليهودية وادعوا اعتناق الكاثوليكية حتى يتمكنوا من البقاء في شبه جزيرة أيبريا مع تراجع الحكم الإسلامي وبعد طرد يهود الپرتغال عام ١٤٨٠م وطرد يهود إسپانيا عام ١٤٩٢م. وكلمة مارانو التي أحرزت شيوعًا في القرن السادس عشر ليست معروفة الأصل على وجه التحديد، ولعل الأكثر رجوحًا هو أنها كلمة باللهجة العامة الإسپانية القديمة معناها (خنزير). [للتوسع، انظر، د. عبد الوهاب المسيري: اليد الخفية، ص (٨١) وما بعدها].

<<  <   >  >>