للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعمورة الأربعة. ولكن، حينما وقف على أعتاب العالم الإسلامي، تذكر ماضيه الأليم، وعلم يقينًا أنه إذا أراد المُضيّ فعليه أن يتدارك الخطأ؛ فالمواجهة يدًا وحدها ما كانت تكفي للقضاء على جماعة الإسلام؛ فإن «يد الله مع الجماعة» (١)، و «إنما يأكل الذئب القاصية» (٢).

كذلك أيقن أن الأمر لا يقف على مجرد كونها جماعة؛ فثمة جماعات كثيرة سهُل هزيمتها عسكريًا، وإنما الأمر يكمن في منهج الجماعة ذاته، ذلك المنهج الذي {لَا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (٣).

ولذا، كان المخرج من ذلك كله هو إحداث صدع في هذا البنيان المرصوص، وزرع خلية سرطانية خبيثة في جسد الأمة الواحد، والذي «إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (٤)، وذلك عن طريق إحياء روح الشعوبية، القومية العنصرية، الجاهلية المنتنة، كما وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٥)؛ ذلك أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى كما قال الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٦).

وسيأتي بيان هذا في موضعه، ولكن ما ترتب هو استشراء سرطان القومية في جسد الأمة. وكانت القاصمة التي لم تتبعها عاصمة هي مبعث الذئب الأغبر من مرقده في جبل طوران، على يد (خالد التُرك!) الدونمي (٧)، إذ قام الذئب مسعورًا جائعًا، فلم يجد أمامه


(١) الحديث رواه الترمذي، كتاب الفتن: ٢١٦٦، وصححه الألباني.
(٢) الحديث رواه أبو داود، كتاب الصلاة: ٥٤٧، وحسنه الألباني.
(٣) فصلت: ٤٢
(٤) الحديث رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: ٢٥٨٦
(٥) روى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أنه قال: «كنا في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمع ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما بال دعوى جاهلية؟ قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة» [البخاري، كتاب تفسير القرآن: ٤٩٠٥].
(٦) الحجرات: ١٣
(٧) حينما حقق مصطفى كمال أتاتورك (١٨٨١ - ١٩٣٨م) انتصاره المشبوه على جيوش اليونان، بدأ يطفو على السطح تدريجيًا، وابتهج العالم الإسلامي وأطلق عليه لقب الغازي ومدحه الشعراء وأشاد به الخطباء، حتى قرنه أحمد شوقي (١٨٦٨ - ١٩٣٢م) بخالد بن الوليد - رضي الله عنه - في أول بيت من قصيدة مشهورة، قال فيها: «الله أكبركم في الفتح من عجب .. يا خالد الترك جدد خالد العرب»!، ثم أفاق من غفلته ورجع عن ذلك وهاجمه بعد سقوط الخلافة. والشائع أن أتاتورك كان من يهود الدونمة المتخفين Crypto-Jews.

<<  <   >  >>