للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الفقيه المالكي أبو عمرو بن الحاجب: ويحتمل الخلافُ؛ للاتهام بدعوى رتبة لنفسه.

قلت (١): لكن لما ثبت عند شعبة أن هذا الرجل الذي نازعته دابته هو أبو برزة الأسلمي، وهو معروف الصحبة والسماع من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثبت الحديث وصحّ، فلذلك أخرجه البخاري في "صحيحه"، فهذا حديث صح بضميمة.

وعلى نحوٍ من هذا تأول علماء الصنعة بَعْدَكُما عليكما -أَعنِيك والبخاريَّ فيما وقع في كتابيكما من حديث مَنْ عُلِم بالتدليس، ممن لم يُبَيِّن سماعَهُ في ذلك الإسناد الذي أخرجتما الحديث به، فظنوا بكما ما ينبغي من حسن الظن، والْتِمَاس أحسن المخارج، وأصوب المذاهب؛ لتقدمكما في الإمامة، وسَعَة علمكما وحفظكما، وتمييزكما ونقدكما، أن ما أخرجتما من الأحاديث عن هذا الضرب، مما عرفتما سلامته من التدليس.

وكذلك أيضا حَكَمُوا فيما أخرجتما من أحاديث الثقات الذين قد اختلطوا، فحَمَلُوا ذلك على أنه مما رُوي عنهم قبل الاختلاط، أو مما سَلِمُوا فيه عند التحديث، على نَظَرٍ في هذا القسم الآخر، يحتاج إلى إمعان التأمل، فبعضٌ منها تَوَصَّلُوا إلى العلم بالسلامة فيه بطبقة الرواة عنهم، وتمييز وقت سماعهم، وبعضٌ أشكل، وقد كان ينبغي فيما أشكل أن يُتَوَقَّف فيه، لكنهم قَنِعُوا، أو أكثرهم بإحسان الظن بكما، فقَبِلُوه ظنّا منهم أنه قد بان عندكما أمره، وحسبنا الاقتداء بما فَعَلُوا، ولزومُ الاتباع ومجانبةُ الابتداع.

وقد سلك أيضا هذا المسلك أبو حاتم البستيّ، فقال في صدر كتابه: وأما المختلطون في أواخر أعمارهم، مثلُ الجريريّ، وسعيد بن أبي عروبة، وأشباههما، فإنا نَرْوي عنهم في كتابنا هذا، ونَحتَجُّ بما رووا، إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا على ما رَوَى عنهم الثقات من القدماء الذين يُعلَم أنهم سمعوا منهم قبل اختلاطهم، أو ما وافقوا الثقات من الروايات التي لا شك في صحتها، وثبوتها من جهة أخرى؛ لأن حكمهم وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم، وحُمِل عنهم في اختلاطهم بعدَ تقدم عدالتهم حكم الثقة إذا أخطأ، أن الواجب ترك خطئه إذا عُلِم، والاحتجاج بما يُعلَم أنه لم يخطىء، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما رَوَى عنهم القدماء، من الثقات الذين كان سماعهم منهم قبل الاختلاط سواء. انتهى ما قاله أبو حاتم البستيّ.


(١) القائل ابن رشيد رَحِمَهُ اللهُ تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>