للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح، كالكتب الستّة، ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزّار، ومعاجم الطبرانيّ، وأفراد الدارقطنيّ، وهي مجمع الغرائب، والمناكير انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (١). وهو بحثٌ نفيسٌ جدّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنّف رحمه الله تعالى:

(فَأَرَدتَ -أَرْشَدَكَ اللهُ- أَنْ تُوَقَّفَ عَلَى جُمْلَتِهَا مُؤَلَّفَةً، مُحْصَاةً، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أُلَخِّصَهَا لَكَ فَي التَّأْلِيفِ، بِلَا تَكْرَارٍ يَكْثُرُ، فَإِنَّ ذَلِكَ زَعَمْتَ مِمَّا يَشْغَلُكَ عَمَّا لَهُ قَصَدتَ، مِنَ التَّفَهُّمِ فِيهَا، وَالاسْتِنْبَاطِ مِنْهَا).

الشرح الإجماليّ لهذه الفقرة:

بَيّن رحمه الله تعالى أن هذا الذي همّ أن يبحث عن جملة الأخبار طلب منه أن يُطْلِعَه على جملة من تلك الأحاديث مجموعة في كتاب واحد مَضبوطة، ويبيّنها له بلا إكثار تكرار؛ لأن ذلك يَشْغَله عن مقصوده الذي هو الغَوْص في الفهم، والاستنباط. والله تعالى أعلم.

الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(فَأَرَدتَ) أي طلبت، يقال: أراد الرجل كذا إرادة: إذا طلبه، واختاره (٢) (أَرْشَدَكَ اللهُ) جملة دعائيّة معترضة بين الفعل، ومفعوله. أي هداك الله لإصابة الصواب، لأن معنى الرشد -بضمّ، فسكون-: الصلاح، وهو خلاف الغَيّ والضلال، وهو إصابة الصواب، والهمزة للتعدية، يقال ت رَشِدَ يرشَدُ رَشَدًا، من باب تَعِبَ، ورَشَدَ يَرشُدُ رُشدًا، من باب قَتلَ، فهو راشد، والاسم الرَّشَاد (٣) (أَنْ تُوقَفَ) بضم أوله مبنيّا للمفعول، وتخفيف القاف، من الوقْفِ، أو تشديدها، من التوقيف، أي تُعَلَّم، يقال: وقَفْتُ فلانًا على ذَنْبه وَقْفًا، ووَقَّفْتُهُ تَوْقِيفًا: أطلعته عليه. كما يستفاد من عبارة المجد في "القاموس"، وابن منظور في "اللسان" (عَلَى جُمْلَتِهَا) أي مجموع تلك الأخبار، وهو متعلّق بـ "توقف" (مُؤَلَّفَةً) منصوب على الحال، أي حال كونها مؤلّفة.

قال أبو البقاء الكفويّ في "الكليّات": التأليف هو جمع الأشياء المتناسبة، من الأُلْفة، وهو حقيقة في الأجسام، ومجاز في الحروف. و"التنظيم": من نظم الجواهر، وفيه جَوْدة التركيب. والتأليف بالنسبة إلى الحروف؛ لتصير كلمات، والتنظيم بالنسبة إلى


(١) راجع من "شرح علل الترمذيّ" ج ٢ ص ٦٢١ - ٦٢٤. بتحقيق الدكتور همام عبد الرحيم.
(٢) أفاده في "المصباح المنير". مادة رود.
(٣) أفاده في "المصباح".

<<  <  ج: ص:  >  >>