للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترط أن يسمع منه حديثًا كثيرًا، بل إذا ثبت أنه سمع منه حديثًا أو أكثر يكفي، فيُحمل غيره مما لم يصرّح بسماعه عليه (فِي رِوَايَةٍ) متعلّق بـ "يَرِد" (مِثْلِ مَا وَرَدَ) بجرّ "مثل" صفة لرواية: أي في رواية مماثلة للّذي ورد بالعنعنة. ويحتمل أن يكون بإضافة "رواية" إلى "مثل" من إضافة المصدر إلى مفعوله: أي رواية ذلك الراوي المعنعن حديثًا مصرّحًا فيه بالسماع مثلَ روايته المعنعن.

ثم بعد أن ذكر مسلم رحمه الله تعالى قول المنتحل أراد تفنيد مذهبه الذي هو في نظره مذهب باطلٌ، ورأي عاطل، وإن لم يكن مسلمًا له كما ستراه، فقال:

(وَهَذَا الْقَوْلُ -يَرْحَمُكَ اللهُ- فِي الطَّعْنِ فِي الْأَسَانِيدِ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ، مُسْتَحْدَثٌ، غَيْرُ مَسْبُوقٍ صَاحِبُهُ إِلَيْهِ، وَلَا مُسَاعِدَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بالْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ، قَدِيمًا وَحَدِيثًا، أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ، رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ، وَالسَّمَاعُ مِنْهُ؛ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا، وَلَا تَشَافَهَا بِكَلَام، فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ، وَالْحُجَّةُ بِهَا لَازِمَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ، أَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ لم يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ، عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا، حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا).

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

ناقش رحمه الله تعالى بهذا الكلام المنتحل المذكور، فقال: إن هذا الذي أتى به المنتحل في طعن الأسانيد الصحيحة قول اخترعه هو، واستحدثه، ولم يسبقه إليه أحد من المتقدّمين، ولا يُساعده أحد من المتأخّرين؛ لأن الذي اشتهر بين أهل العلم بالحديث المتقدّمين، والمتأخرين، واتّفقوا عليه أن كلّ راو ثقة روى حديثًا عن مثله، وقد أمكن لقاؤه لشيخه، وسماعه منه؛ حيث كانا متعاصرين يُمكن لقاء أحدهما الآخر، بأن ارتفعت الموانع من وصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم نتأكّد ذلك اللقاء والسماع منهما؛ حيث لم ترد رواية توضّح ذلك قُبِلت تلك الرواية، ولزمت الحجة بها، إلا أن يدلّ دليلٌ بيّنٌ على أن ذلك الراوي لم يلق شيخه، ولم يسمع منه، فعند ذلك تكون الرواية منقطعة، وأما إذا كان الأمر مبهمًا على ما فسّرناه آنفًا من إمكان وصول أحدهما إلى الآخر، وسماع حديثه منه، فالرواية محمولة على الاتصال إلى أن يأتي ما يناقض ذلك من البيّنة الواضحة المثبتة للانقطاع. هذا خلاصة معنى كلامه رحمه الله تعالى، وستأتي مناقشته إن شاء الله تعالى.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(وَهَذَا الْقَوْلُ -يَرْحَمُكَ اللهُ-) جملة دعائيّة معترضة (فِي الطَّعْنِ فِي الْأَسَانِيدِ قَوْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>