للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسي ثوبا برجل مسلم، فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء، فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة". حديث صحيح.

فهذه النصوص صريحة في تحريم الغيبة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): أنه كما يحرم على المغتاب ذكر الغيبة، كذلك يحرم على السامع استماعها، وإقرارها، بل يجب عليه النهي عنها، إن لم يَخَف ضررًا ظاهرًا، وإلا وجب عليه الإنكار بقلبه، ومفارقة ذلك المجلس، إن أمكن، وإلا أنكر بقلبه، ويحرم عليه الاستماع، بل يشتغل بنحو ذكر الله تعالى، ولا يضرّه بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء. قال الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨]. أفاده النووي رحمه الله تعالى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قد وردت أحاديث في فضل من ردّ عن عرض أخيه:

فقد أخرج الإمام أحمد، والترمذيّ عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رَدّ عن عِرْض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". قال الترمذيّ: هذا حديث حسن.

وأخرج أبو داود أيضًا عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنيّ، عن أبيه -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حَمَى مؤمنا من منافق أُراه قال: "بعث الله ملكا يَحمِي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رَمَى مسلما بشيء يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم، حتى يخرج مما قال". حديث حسن. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[(المسألة الخامسة): في المواضع التي تباح فيها الغيبة]

(اعلم): أن الغيبة، وإن كانت محرّمة، إلا أنها تباح للمصلحة في أحوال، وذلك إذا حدث غرض صحيح شرعيّ لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب:

(الأول): التظلّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلّم إلى السلطان، والقاضي، وغيرهما ممن له ولاية، أو له قدرة على إنصافه من ظالمه، فيذكر أن فلانًا ظلمني، وفعل بي كذا وكذا، وأخذ لي كذا وكذا، ونحو ذلك.


(١) "الأذكار" ص ٢٩٨ - ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>