للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَكَتَبَ) أي شعبة (إِلَيَّ لَا تَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئًا) أي لا كثيرًا، ولا قليلًا، وفي "تهذيب التهذيب": قال معاذ بن معاذ العنبري: كتبت إلى شعبة، وهو ببغداد، أسأله عن أبي شيبة القاضي، أروي عنه؟ فكتب إلي لا ترو عنه، فإنه رجل مذموم، وإذا قرأت كتابي، فمزِّقه، وكذَّبه شعبة في قصة. انتهى (١).

وقوله: (وَمَزِّقْ كِتَابِي) أمر من التمزيق، وهو الشقّ، قال الفيّوميّ: مَزَقْتُ الثوبَ مَزْقًا، من باب ضرب: شققتُهُ، ومَزّقتُهُ بالتثقيل، فتمزَق، ومزَقهم الله كُلَّ مُمَزَّق: فرّقهم في كلّ جهة من البلاد، ومزّق مُلكه: أذهب أثره. انتهى (٢).

وإنما أمره شعبة بتمزيق كتابه؛ مخافة من بلوغه إلى أبي شيبة، ووقوفه على ذكره له بما يَكرَه، فيترتّب على ذلك مفسدة، بأن يناله منه أذىً، ففيه الجمع بين المصلحتين: مصلحة النصيحة لمعاذ السائل ببيان ضعف أبي شيبة، وعدم صلاحه للرواية عنه، ومصلحة نفسه بدفع وصول الضرر إليه عنه بتمزيق الكتاب. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:

٧٩ - (وحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَفَّانَ قَالَ: حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بحَدِيثٍ، عَنْ ثَابِتٍ، فَقَالَ: كَذَبَ، وَحَدَّثْتُ هَمَّامًا عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: كَذَبَ).

رجال هذا الإسناد: اثنان:

١ - (الْحُلْوانيّ) الحسن بن عليّ الخلّال نزيل مكة الحافظ الثقة، تقدّم في ٣/ ٢٢.

٢ - (عفّان) بن مسلم بن عبد الله الباهليّ البصريّ الحافظ الثبت، تقدّم في ٤/ ٤٢. والله تعالى أعلم.

[شرح الأثر]

عن الحسن الحلوانيّ رحمهُ اللهُ تعالى، أنه (قال حدثنا عَفَّانَ) بن مسلم (قَالَ: حَدَّثْتُ) بالبناء للفاعل، والتاء ضمير المتكلّم (حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ) بن دينار البصري، أبو سلمة، مولى تميم، ويقال: مولى قريش، وقيل: غير ذلك. روى عن ثابت البناني، وقتادة، وخاله حميد الطويل، وخلق كثير. وروى عنه ابن جريج، والثوري، وشعبة، وهم أكبر منه، وابن المبارك، وابن مهدي، والقطان، وعفّان بن مسلم، وغيرهم. قال أحمد: حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر. وقال أيضا في الحمادين: ما منهما إلا ثقة.


(١) "تهذيب التهذيب" ١/ ٧٧.
(٢) "المصباح المنير".

<<  <  ج: ص:  >  >>