للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبِهِ سَمَاعًا كثِيرًا، فَجَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْزِلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَةِ، فَيَسْمَعَ مِنْ غَيْرِهِ عَنْهُ بَعْضَ أَحَادِيثِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ عَنْهُ أَحْيَانًا، وَلَا يُسَمِّيَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ، وَيَنْشَطَ أَحْيَانًا، فَيُسَمِّيَ الرَّجُلَ الَّذِي حَمَلَ عَنْهُ الْحَدِيثَ، وَيَتْرُكَ الْإِرْسَالَ. وَمَا قُلْنَا مِنْ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْحَدِيثِ، مُسْتَفِيضٌ مِنْ فِعْلِ ثِقَاتِ الْمُحَدِّثِينَ، وَأَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَسَنَذْكُرُ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَدَدًا، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى-.

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

بيّن رحمه اللهُ تعالى في هذه الفقرة ما دعّم به مذهبه بضرب الأمثلة على ذلك، فمن تلك الأمثلة الحديثُ الواردُ عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-، فإننا نعلم علمًا يقينًا أن هُشَامًا سمع من أبيه، وهو سمع من خالته عائشة -رضي الله عنها-، كما نعلم علمًا يقينًا أنها سمعت من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لكن يمكن إذا عنعن هشام، ولم يُفصح بالسماع من أبيه أن يكون أخذه عنه بواسطة، فأرسله، ولم يذكر من أخذ عنه، ومثل هذا الإمكان موجود في أبيه أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها-، وكذلك كلُّ إسناد لم يُصَرَّح فيه بسماع الرواة بعضهم من بعض، مع ثبوت سماع بعضهم من بعض في الجملة يمكن أن يكون بينهم وبين من رووا عنه واسطة، أسقطوه اختصارًا؛ إذ الراوي أحيانًا يَنشَط، فيَذكُرُ شيخه، وأحيانًا لا يَنشَط، فيُسقطه، ويُرسِل الحديث، وهذا الصنف موجود في الحديث، وكثير بين المحدّثين، كما سيظهر ذلك من ضرب الأمثلة فيما بعد، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم.

وقد رَدَّ على استشهاد المصنّف رحمه الله بما ذُكر ابن رُشيد رحمه الله، فقال: ثم إنه مَثَّل ذلك بأمثلة منها حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: إن كُلا منهم يتحقق سماع بعضهم من بعض، فهشام من أبيه عروة، وعروة من خالته عائشة، وعائشة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه: سمعت، أو أخبرني أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان آخر أخبره بها عن أبيه.

ثم طَرَّق الاحتمال أيضا في قول عروة عن عائشة، وأتبع ذلك بأمثلة من الرواة لقي بعضهم بعضًا، وأسندوا رواياتهم معنعنين ممن لم يُتَّهَم بالتدليس، على أن هشاما قد وقع له بعض الشيء.

قال عبد الله بن علي المديني: قال أبي: وسمعت يحيى يقول: كان هشام بن

<<  <  ج: ص:  >  >>