للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يؤلّفه على سبيل الاختصار كما بيّنه في أوائل هذه المقدّمة، وفيما ذكره هنا كفاية لمن تدبّر، وفَهِم مذهب المحدّثين فيما قاموا به من بيان معايب الرواة، والكشف عن مساويهم.

ثم بيّن سبب إلزام المحدّثين أنفسهم الكشفَ عن معايب الرواة المجروحين، وأفتوا به من سألهم، مع أن عرض المسلم حرام كدمه، وذلك لما في رواياتهم من الخطر العظيم؛ لأن الأحاديث إنما تأتي بتحليل الحلال، أو تحريم الحرام، أو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أو الترغيب في الخير، والتحذير عن الشرّ، وهذه الأحكام إنما تؤخذ من أدلّتها الشرعيّة، ومنها الأحاديث، فإذا كان الراوي لها غير متّصف بالعدالة، وهي المراد بالصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من يَعلَم حاله من كونه غير عدل، وسكت عن بيان ما فيه من عدم الأهليّة للرواية، ولم يبيّن ذلك لمن لا يعلمه كان آثمًا بسكوته، غاشّا للمسلمين مع أن الواجب عليه النصيحة؛ فقد أخرج مسلم قوله: "الدين النصيحة"، وذلك لأنه لا يؤمن أن يستعمل بعض الناس ممن سمع تلك الأحاديث المروية من ذلك المجروح، أو بعضها، ولعلها أكاذيب لا يصحّ شيء منها، على أنه لا حاجة إليها؛ لكثرة الأحاديث الصحاح الكافية للاحتجاج بها، والعمل بمقتضاها.

ثم بيّن أن الحامل لكثير ممن يميل إلى نقل الأحاديث الواهية، وروايتها للناس مع علمهم بضعفها ليس إلا إرادة التكثّر بذلك عند عوامّ الناس حيث يقولون: ما أكثر ما جمعه فلان من الأحاديث الكثيرة، ومن ذهب هذا المذهب، وسلك هذا الطريق، فليس له نصيب من حمل العلم، بل كان تسميته جاهلًا أولى من أن يسمّى عالمًا؛ إذ لو كان عالمًا لحمله علمه على الورع والتقوى، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} الآية. والله تعالى أعلم.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(قَالَ مُسْلِم) صاحب الكتاب، والظاهر أنه من كلامه رحمه الله تعالى، ويحتمل أن يكون من الرواة عنه (وَأَشْبَاهُ) -بفتح الهمزة: جمع شَبَه بفتحتين، وبكسر، فسكون، وكأمير: الأمثال. أفاده في "القاموس". وقال في "المصباح": الشَّبَهُ بفتحتين، والشبيه، مثلُ كريم، والشِّبْهُ، مثل حِمْلٍ: المشابه. وَشَبَّهْتُ الشيءَ بالشيء: أقمته مُقامه لصفة جامعة بينهما، وتكون الصفة ذاتيّة، ومعنويّةً، فالذاتيّة: نحو هذا الدرهم كهذا الدرهم، وهذا السواد كهذا السواد. والمعنويّة: نحو زيد كالأسد، أو كالحمار: أي في شدّته،

<<  <  ج: ص:  >  >>