للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بلصقه، ولم أره تزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارئ يقرأ على مالك، فربما مَرَّ بشيء، فيسأله مالك ما عندكم في هذا؟ فكان عبد الله يجيبه بالخفاء، ثم قام، فخرج، فأُعجب مالك بأدبه، ثم قال لنا: هذا ابن المبارك فقيه خراسان. وقال الخليلي في "الإرشاد": ابن المبارك الإمام المتفق عليه، له من الكرامات ما لا يحصي، يقال: إنه من الأبدال (١) وقال: كتبت عن ألف شيخ. وحكى الحسن بن عرفة عنه، من دقيق الورع، أنه استعار قلمًا من رجل بالشام، وحمله إلى خراسان ناسيًا، فلما وجده معه بها، رجع إلى الشام حتى أعطاه لصاحبه. وقال الأسود ابن سالم: إذا رأيت الرجل يغمز ابن المبارك، فاتهمه على الإسلام. وقال النسائي: لا نعلم في عصر ابن المبارك أجل من ابن المبارك، ولا أعلى منه، ولا أجمع لكل خصلة محمودة منه. ومناقبه وفضائله كثيرة جدّا. وقال أحمد بن حنبل وغير واحد: وُلد سنة ثمان عشرة ومائة. وقال ابن سعد: مات بهيت منصرفا من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة، وله ثلاث وستون سنةً، طلب العلم، وروى رواية كثيرةً، وصنف كتبا كثيرة في أبواب العلم، وكان ثقة مأمونا حجة، كثير الحديث.

وقال في "التقريب": ثقة ثبتٌ فقيهٌ عالم جَوَاد مجاهد، جُمعت فيه خصال الخير، من الثامنة. انتهى.

أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" (٤٤) حديثًا. واللَّه تعالى أعلم.

[فائدة]: قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: في هذا السند لطيفة من لطائف الإسناد الغريبة، وهو أنه إسناد خُراسانيّ كله، من شيخنا أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن مضر إلى آخره، فإني قد قدمت أن الإسناد من شيخنا إلى مسلم خراسانيون، نيسابوريون، وهؤلاء الثلاثة المذكورون، أعني محمدًا، وعبدان، وابن المبارك، خراسانيون، مروزيون، وهذا قَلَّ أن يتفق مثله في هذه الأزمان. انتهى كلام النوويّ (٢). والله تعالى أعلم.

[شرح الأثر]

عن (مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "شرحه": -بقاف مضمومة، ثم هاء ساكنة، ثم زاي، ثم ألف، ثم ذال معجمة- هذا هو الصحيح المشهور المعروف في ضبطه. وحكى صاحب "مطالع الأنوار" عن بعضهم أنه قَيَّده بضم الهاء، وتشديد الزاي، وهو أعجميّ، فلا ينصرف (٣). (مِنْ أَهْلِ مَرْوَ) -بفتح الميم،


(١) [تنبيه]: الأحاديث الواردة في الأبدال والقطب والغوث كلها ضعيفة، لا يثبت منها شيء، فلا يُغترّ بها. والله تعالى المستعان.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٨٧.
(٣) "شرح النوويّ" ١/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>