للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(القسم الثاني من قسمي التدليس): تدليس الشيوخ، وهو أن يسمي شيخه، أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يُعرَف به، ويدخل في هذا القسم التسوية أيضًا، بأن يصف شيخ شيخه بذلك. قاله الحافظ.

وحكم هذا القسم أنه مكروه، وهو أخفّ من الأول، وسببها توعير طريق معرفته على السامع، كقول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، يريد أبا بكر بن أبي داود السجستاني، وفيه تضييع للمروي عنه، والمروي أيضًا؛ لأنه قد لا يُفطَن له، فيُحكم عليه بالجهالة.

ثم إن الكراهة تختلف بحسب غرضه، فإن كان لكون الْمُغَيَّر اسمه ضعيفًا، فيدلّسه حتى لا يَظهر روايته عن الضعفاء، فهو شَرُّ هذا القسم، والأصح أنه ليس بجرح، وجزم ابن الصباغ في "الْعُدّة" بأنّ مَن فَعَلَ ذلك لكون غير ثقة عند الناس، فغَيّرَه ليقبلوا خبره، يجب أن لا يُقبَل خبره، وإن كان هو يَعتَقد فيه الثقة؛ لجواز أن يَعرف غيره من جرحه ما لا يَعرفه هو. وقال الآمدي: إن فعله لضعفه فجرح، أو لضعف نسبه، أو لاختلافهم في قبول روايته فلا. وقال ابن السمعاني: إن كان بحيث لو سُئل عنه لم يبينه فجرح، وإلا فلا.

ومنع بعضهم إطلاق اسم التدليس على هذا، رَوَى البيهقي في "المدخل" عن محمد بن رافع قال: قلت لأبي عامر: كان الثوري يُدلّس، قال: لا، قلت: أليس إذا دخل كُورة يَعلَم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل قال: حدثني رجل، وإذا عُرف الرجل بالاسم كناه، وإذا عُرف بالكنية سماه؟ قال: هذا تزيين، ليس بتدليس.

وإن كان لكونه صغيرا في السن، أو متأخر الوفاة حتى شاركه من هو دونه، فالأمر فيه سهل، أو سمع منه كثيرًا، فامتنع من تكراره على صورة واحدة؛ إيهاما لكثرة الشيوخ، أو تفننا في العبارة فسهل أيضًا. وقد يسمح الخطيب وغيره من الرواة المصنفين بهذا.

[[تنبيهات]]

(الأول): من أقسام التدليس إعطاء شخص اسم آخر مشهورٍ تشبيهًا، ذكره ابن السبكي في "جمع الجوامع"، قال: كقولنا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، يعني الذهبي؛ تشبيها بالبيهقي حيث يقول ذلك، يعني به الحاكم، وكذا إيهام اللُّقِيّ والرحلة، كحدثنا من وراء النهر يوهم أنه جيحون، ويريد نهر عيسى ببغداد، أو الجيزة بمصر، وليس ذلك بجرح قطعًا؛ لأن ذلك من المعاريض، لا من الكذب. قاله الآمدي في "الإحكام"، وابن دقيق العيد في "الاقتراح".

<<  <  ج: ص:  >  >>