للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطّان الإمام الحجة، تقدّمت ترجمته (١). والله تعالى أعلم.

[شرح الأثر]

عن عمرو بن عليّ، أنه (قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ) القطّان (قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَشُعْبَةَ) بن الحجاج (وَمَالِكًا) إمام دار الهجرة (وَ) سفيان (بْنَ عُيَيْنَةَ) كلهم تقدّمت تراجمهم، فأما الثوريّ، فتقدّم في ١/ ١، وأما الباقون فتقدموا عند قول المصنّف: "ممن ذمّ الرواية عنهم أئمة الحديث، مثل مالك بن أنس الخ" (عَنِ الرَّجُلِ) متعلّق بـ "سألت". وقوله: (لَا يَكُونُ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ) جملة في محلّ نصب على الحال من الرجل، ويحتمل أن تكون في محلّ جرّ صفة له؛ بناء على القاعدة من أن المعرّف بـ "أل" الجنسيّة في قوة النكرة، كما في قول الشاعر [من الكامل]:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي ... فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لَا يَعْنِينِي

و"الثبْتُ" -بفتح الثاء المثلّثة، وسكون الباء-: المُتَثَبِّتُ في أموره، بمعنى ضابطٍ عدلٍ، قال في "المصباح": رجل ثَبْتٌ ساكن الباء: مُتثَبّتٌ في أموره، وثَبْتُ الْجَنَان: أي ثابت القلب، وثَبُتَ في الحرب، فهو ثَبِيتٌ، مثالُ قَرُبَ فهو قَرِيبٌ، والاسم ثَبَتٌ -بفتحتين- ومنه قيل للحجّة ثَبَتٌ. ورجلٌ ثَبَتٌ بفتحتين أيضًا: إذا كان عَدْلًا ضَابِطًا، والجمعُ أَثْبَاتٌ، مثلُ سَبَبٍ وأَسْبَابٍ. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فتحصّل مما ذُكر أن "ثَبتًا" في كلام يحيى القطّان يجوز أن يكون ساكن الباء، ومفتوحها، ومعناه: عدلٌ ضابطٌ. والله تعالى أعلم.

(فَيَأْتِينِي الرَّجُلُ) "ال" فيه للجنس: أي يأتيني شخص من الأشخاص (فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ؟ ) أي عن ذلك الرجل الذي ليس بثبت، هل هو ثقة، أم لا؟ ، فهل أستر عليه؛ لئلا يكون غيبة له، أم أخبر أنه غير ثقة؛ نصيحةً للسائل؟ (قَالُوا: أَخْبِرْ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ) هذا يدلّ أن هؤلاء الأئمة يرون وجوب جرح المجروح، قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وليس من باب الغيبة والأذى؛ إذ دعت إلى هذا الضرورة؛ لحياطة الشريعة، وحماية الملّة، ونصيحة الدين، كما نُجيز تجريح الشهود لمراعاة إقامة الحقوق، ودفع الشبهات. وأما تعيين سبب الجرح في الخبر والشهادة، فقد اختلف فيه العلماء من الفقهاء والأصوليين، فأوجبه بعضهم مطلقًا، وهو اختيار الشافعيّ، وبعض أئمتنا، ولم يوجبه آخرون، وهو اختيار القاضي أبي بكر، وجماعة غيره من أئمتنا، ورأوا قبول الجرح مطلقًا، دون ذكر السبب، وذهب بعضهم إلى أن الْمُجَرِّح إذا كان عالمًا بصيرًا


(١) تقدّمت مع ترجمة ابن عيينة المذكورة قريبًا.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>