للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر بمعناه، فإن الرواية بالمعنى رخّص فيها من رخّص لما كان عليهم من ضبط الألفاظ، والجمود عليها من الجرح والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب، ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره انتهى (١).

قلت: خلاصة القول أن الأرجح جواز الرواية بالمعنى لمن توفّرت فيه الشروط السابقة، وإلا فلا.

ثم إن الراوي ينبغي له أن يقول عقب رواية الحديث بالمعنى: "أو كما قال"، أو كلمة تؤدّي هذا المعنى؛ احتياطًا في الرواية؛ خشية أن يكون الحديث مرويًا بالمعنى، وكذلك ينبغي له إذا وقع في نفسه شكّ في لفظ ما يرويه؛ ليبرأ من عُهدته.

وإلى هذا المعنى أشار الحافظ السيوطيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "ألفية الحديث" بقوله:

كَمَا إِذَا خَالَفَ ذُو حِفْظٍ (٢) وَفِي ... مَنْ يَرْوِ بِالْمَعْنَى خِلَافٌ قَدْ قُفِي

فَالأَكْثَرُونَ جَوَّزُوا لِلْعَارِفِ ... ثَالِثُهَا يَجُوزُ بِالْمُرَادِفِ

وَقِيلَ فِي الْمَوْقُوفِ وَامْنَعْهُ لَدَى ... مُصَنَّفٍ وَمَا بِهِ تُعُبِّدَا

وَقُلْ أَخِيرًا "أَوْ كَمَا قَالَ" وَمَا ... أَشْبَهَهُ كَالشَّكِّ فِيمَ أَبْهَمَا (٣)

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الثانية: في اختصار الحديث.]

اعلم: أنه قد اختَلَف أهل العلم في اختصار الحديث أيضًا على مذاهب:

فمنهم من منعه مطلقًا؛ بناءً على منع الرواية بالمعنى، ومنعه بعضهم، وإن جازت الرواية بالمعنى، إذا لم يكن رواه هو، أو غيره بتمامه قبل هذا. وجوّزه جماعة مطلقًا، ونسبه القاضي عياض إلى مسلم.

والصحيح الذي ذهب إليه الجماهير، والمحققون من أصحاب الحديث، والفقه، والأصول التفصيل، وجواز ذلك من العارف، إذا كان ما تركه غير متعلّق بما رواه، بحيث لا يختلّ البيان، ولا تختلف الدلالة بتركه، سواء جوّزنا الرواية بالمعنى، أم لا، وسواء رواه قبلُ تامًّا، أم لا.


(١) مقدمة ابن الصلاح ١٨٩.
(٢) قوله: "كما إذا خالف ذو حفظ" متعلق بالبيت الذي قبله، وليس له تعلق بالرواية بالمعنى، وإنما أتيت به ليكون البيت تاما، فذكر مسألة الرواية بالمعنى يبدأ من قوله: "وفي من يرو الخ"، فتنبّه.
(٣) راجع "ألفية الحديث" ص ١٦١ - ١٦٢ بنسخة شرح أحمد محمد شاكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>