للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب عليهم أن يطرحوا الأحاديث الضعيفة، والمنكرة التي يرويها أقوام قد ذمّهم أئمة هذا الشأن، كمالك، وشبعة، وابن عيينة، ويحيى القطّان، وابن مهديّ، وغيرهم، ويقتصروا على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعرفون بالصدق والأمانة، فلما رأى ذلك سهُل عليه إجابة طلب ذلك الطالب؛ خشيةَ أن يقع في تلك الأخبار الواهية لو لم يجبه إلى طلبه. والله تعالى أعلم.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(وَبَعْدُ) أي وبعد ما تقدّم من شرح مذهب المحدثين، والواو هذه نائبة عن "أما" النائبة عن "مهما يكن"، كما سبق بيانه مُسْتَوْفًى في قوله أول هذه المقدّمة: "أما بعد"، و "بعدُ" مبنيّ على الضمّ؛ لقطعه عن الإضافة، ونيّة معناها، كما تقدّم تفصيله هناك، واستعمال "وبعد" مما جرى به عرف العلماء، وليس واردًا في السنة، إذ الوارد فيها "أما بعد"، كما تقدم بيانه أدلته هناك أيضًا. وقوله: (يَرْحَمُكَ اللهُ) جملة دعائية معترضة بين الشرط، وهي "وبعدُ"؛ لتضمنها معنى الشرط، كما أشرت إليه آنفًا، وجزائه، وهو قوله: (فَلَوْلَا الذي رأينا الخ) و "لولا" هذه إن دخلت على الجملة الاسمية -كما هنا- حرف امتناع لوجود، أي امتناع جوابه لوجود شرطه، مثلُ لولا زيد لأهنتك، أي موجود، فامتنعت الإهانة لوجود زيد، وإن دخلت على المضارع، أفادت العرض، وهو طلب بلين، نحو قوله سبحانه وتعالى {فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة: ٥٧]، وقوله سبحانه وتعالى: {فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: ٦٢]، والتحضيض، وهو طلب بحثّ، نحو قوله سبحانه وتعالى {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} الآية [النمل: ٤٦]، وإن دخلت على الماضي أفادت التوبيخ، نحو قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الآية [النور: ١٣]. وإلى هذا أشار السيوطيّ رحمه الله تعالى في "الكوكب الساطع" بقوله:

"لَوْلَا" امْتِنَاعٌ لِوُجُودٍ فِي الْجُمَلْ ... اسْمِيَّةٍ وَفِي الْمُضَارِعِ احْتَمَلْ

عَرْضًا وَتَحْضِيضًا وَفِي الَّذِي مَضَى ... تَوَبُّخٌ وَنَفْيُهُ لا يُرْتَضَى

راجع ما كتبتُهُ على "الكوكب الساطع" في مبحث "الحروف" ص ١٢٩.

فيكون المعنى هنا امتناع عدم سهولة الإنتصاب لتحقيق رغبة الطالب عليه لوجود رؤيته سوء صنيع الكثيرين ممن نَصَبَ نفسه محدّثًا.

وخلاصة المعنى: أن الذي سهّل عليه القيام بتحقيق ذلك هو رؤيته سوء صنيع كثير ممن يدّعي علم الحديث في كيفية إلقائهم الأحاديث إلى العوامّ. والله تعالى أعلم.

وقوله (الَّذِي رَأَيْنَا) مبتدأ خبره محذوف: أي موجود، وحذف خبر المبتدأ بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>